الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يزيدك رسوخاً في الحق وثباتاً عليه، وأن يجعل لك من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، وأبشري أيتها السائلة، فأنت بهذا على طرق الأنبياء والصالحين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. فعليك أن تحتسبي هذا الذي يقع عليك عند الله.
ومما يهون عليك مرارة الظلم أن تذكري قدر الدنيا وهوانها على الله سبحانه، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، ولذا فإنه يحجبها عن أوليائه ويمد منها لأعدائه مداً، جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. قال النووي: معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد. انتهى.
أما هؤلاء اللاتي عصين الله وخالفن أمره في الحجاب ابتغاء عرض الدنيا الزائل، فإنهن في الحقيقة خاسرات قد سقطن من عين الله تعالى ولذا عصينه، ولو كان لهن عند الله قدر لعصمهن ولوفقهن للستر والحجاب، وما يؤتيهن الله من متاع الدنيا أو درجاتها، فهذا استدراج لهن وإملاء، ولكن أنى يعقلن؟ قال سبحانه وتعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {الإسراء:18-19}.
فلا تحزني على ما فاتك من الدنيا، ولا تبتئسي بفقد درجاتها الوظيفية، وتذكري قوله سبحانه: وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً {الإسراء:21}، ويمكنك مع هذا أن ترفعي أمرك للمسؤولين حتى تدفعي عنك هذا الظلم والبغي، فالله تعالى يقول عن المؤمنين: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ {الشورى:39}.
والله أعلم.