الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يثبتكم على طريق الحق والهدى, وأن يصرف عنكم كيد الشيطان وأن يجنبكم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
واعلمي أيتها السائلة أنه لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم، ولا تلبية دعواتهم في الاحتفال بها, لما فيه من مشاركتهم وإقرارهم على باطلهم، وإشعارهم بأن ما يفعلونه صواب، وقد بينا ذلك بالتفصيل والدليل في الفتوى رقم: 26883.
وكونهم يحسنون معاملتكم لا يسوغ لكم حضور أعيادهم لأن أمور الدين والعقيدة لا تقبل المداهنة ولا المجاملة, وما تخافون منه من مشكلات جراء هذا الرفض يكفيكموه الله إن أنتم اتقيتموه وتوكلتم عليه, وجعلتم خشيتكم منه وحده ورجاءكم فيه وحده، وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن، قال سبحانه: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ {المائدة: 44} , وقال: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ {الأحزاب: 37}, وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2 ، 3}, وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4}.
ثم إن واجهكم شيء مما تكرهون فقابلوه بالصبر فإن الصبر على تكاليف العقيدة ومقتضياتها من أعظم الأعمال التي يتقرب بها المتقربون, وهو مما لا بد منه للسائر إلى الله، فلا يظنن أحد أنه سيؤدي تكاليف الإيمان هكذا صفوا عفوا بلا عناء ولا مشقة, كلا وإلا بطلت حكمة التكليف فإن الله سبحانه إنما خلق الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليختبره ويبتليه, ولا بد للبلاء من الصبر الجميل, قال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت: 3}.
وأما بخصوص ما يهدونه لكم من هدايا في هذا اليوم فلا حرج عليكم في قبولها بل يستحب قبولها إذا كان في ذلك تأليف لقلبوهم ليدخلوا في الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها انتهى.
ثم قال رحمه الله: فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم بل حكمها في العيد وغيره سواء لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم. انتهى.
والله أعلم.