الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم؟ فأجاب: هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق؛ لأن الله قال عن المنافقين: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك ؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله ، لكنهم على خطر عظيم ، والواجب تشجيع من التزم بشريعة الله ومعونته، وتوجيهه إذا كان على نوع من الخطأ حتى يستقيم على الأمر المطلوب. انتهـى.
وقال أيضا: الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جدا على المرء، لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء. فأنزل الله فيهم هذه الآية. انتهـى. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتويين: 41385 ، 60594 .
أًمَا وقد ندم السائل على ما فعل أشد الندم، وعزم على ألا يعود إليه أبدا، فليبشر بالخير، فإن الله تعالى قد وعد من تاب واستغفر بعد الذنب بالرحمة والغفران، فقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54}.
وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}.
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر : 53}.
وعليك أخي الكريم أن تستحل من ظلمتهم بإساءتك لهم أو استهزائك بهم إن كنت تعرفهم، بأن تخبرهم بما حصل منك إجمالا ، وتطلب منهم العفو والسماح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري.
هذا إذا كان يغلب على ظنك أنك إن استسمحتهم سامحوك وعفو عنك، ولم يحصل بسبب إخبارك لهم جفوة أو قطيعة، فإن خفت حصول ذلك فاستغفر لهم وادع الله لهم، واذكرهم أمام الناس بخير ما تعلمه فيهم، وعظم شأنهم، تعويضا عما بدر منك نحوهم. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 18997.
وينبغي أخي الكريم أيضا أن تبدل سيئاتك حسنات، فترفع شعار السنة، وتلتزم بالهدي النبوي ظاهرا وباطنا. وفقك الله لما يحب ويرضى، وثبتك على الحق والهدى.