الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي اتضح لنا أن الدولة أعطت منفعة سكنى الدار لأبيكم أو أجرته إياها، ثم حولت إيجارها لابنه الكبير ثم آل ملكها بتمليك من الدولة إليه مقابل ثمن رمزي، فإن كان الأمر كما اتضح لنا فإن منفعة الدار في فترة الإيجار وعينها بعد التمليك ملك له، وليس لبقية إخوته شيء منها إلا إذا كانت الأموال التي دفعوها دفعوها على أساس المشاركة، ولم يكن في ذلك مخالفة لشرط الدولة بأن كانت تشترط بيعها له هو دون غيره، فيكونون شركاء بقدر ما دفعوه من الثمن، وغاية ما وافق عليه أخوكم أباه بشأن وصيته على فرض أن الدار له هو أنه وعد، ولا شك أن الوفاء به من مكارم الأخلاق، وأما لزومه شرعاً فمحل خلاف بين العلماء، والأقوال فيه أربعة:
- أنه ملزم ديانة لا قضاء وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في قول.
- أنه ملزم قضاء وهو قول ابن شبرمة وإسحاق والحسن البصري.
- أنه ملزماً قضاء إذا تعلق بسبب ولو لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء وهو قول لبعض المالكية.
- أنه ملزم قضاء إذا كان متعلقاً بسبب ودخل الموعود فيه، فعلى الواعد أن ينفذ الوعد أو يعوض عن الضرر إذا لم ينفذه، وهو المشهور عند المالكية والذي رجحه كثير من الباحثين المعاصرين وصدر به قرار للمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي جاء فيه: الوعد -وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد- يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. ولا ينطبق على وصية أبيكم أحكام الوصية بمفهومها الفقهي الخاص لاعتبارين:
* أنها وصية فيما لا يملكه الموصي.
* وعلى فرض أنه يملك منفعة الدار أو ذاتها فإنها وصية لوارث إذا كانت معلقة بالموت، والوصية لوارث لا تجوز إلا بإذن باقي الورثة فإذا لم يأذنوا لم تنفذ، وإذا لم يكن معلقاً بالموت كان هبة، فيشترط فيها قبض الموهوب له قبل موت الواهب، وللأهمية في ذلك راجع هاتين الفتويين: 15912، 104153.
والله أعلم.