الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي صحيح مسلم عن جابر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذهب إلى العمل بظاهر ما دل عليه الحديث مالك فلم يجوز الذبح إلا بعد ذبح الإمام، وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل القرى والأمصار، ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق، وقال الثوري يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها. وقال الشافعي وداود وآخرون إن وقت التضحية يبدأ بمضي قدر صلاة العيد وخطبته، فمن ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى المضحي أم لا، وسواء كان من أهل القرى والبوادي أو من أهل الأمصار أو من المسافرين.
وقال أبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب، فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه، نقل هذه الأقوال كلها الشوكاني في شرح المنتقى.
والصحيح في المسألة أنه لا يشترط الانتظار حتى ينحر الإمام بل يجوز الذبح بعد انقضاء صلاة العيد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله. متفق عليه.
ويُجابُ عما استدل به مالك بأن المراد به الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم من يصلي قبل صلاته فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه، لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة.
والله أعلم.