الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فدينُ الله عز وجل يُسر، ومن قواعده الكبرى أنه بُنيَ على التخفيف ورفع الحرج، وليس معنى هذا أنه يجوزُ للإنسان أن يتساهل بترك ما يجبُ عليه، ونحنُ نسأل الله لكَ السلامة والعافية.
ثم اعلم أن المسلمين مجمعون على وجوب الغسل على من أصابته جنابة، وأنه لا يُجزئه غير الغسل إذا قدرَ عليه، فإذا أجنبت وكنت تقدرُ على الغسل ولو بإسالة الماء على بدنك شيئاً فشيئا فهذا واجبٌ عليك، ولا يُجزئك الاقتصارُ على غسل الأطراف وموضع النجاسة.
وإذا عجزت عن غسل جميع بدنك، فالواجبُ عليك غسل ما تستطيعُ غسله، ثم تمسح بقية بدنك إذا قدرت على مسحه، فإذا عجزت عن غسله ومسحه فيجبُ عليكَ غسلُ ما تقدرُ على غسله ثم تتيممُ، وهذا الذي ذكرناه لكَ هو أرجح الأقوال واختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة العثيمين، ويؤيده قوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} .
ومن العلماء من يرى أنكَ إن عجزت عن غسل بعض بدنك لخشية الضرر فإنك تتيمم عنه ولا يُشرع لك مسحه، ومنهم من يرى أنه يكفيكَ غسل ما تقدر عليه ولا يلزمك لا المسح ولا التيمم وهو قول ابن حزم.
قال في المحلى: من عجز عن بعض أعضائه في الطهارة من قطعت يداه أو رجلاه أو بعض ذلك سقط عنه حكمه وبقي عليه غسل ما بقي؛ لقوله عليه السلام: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فإن كان في الجسد جرح سقط حكمه وبقي فرض غسل سائر الجسد أو الأعضاء لما ذكرناه، فإن عمت القروح يديه أو يده أو رجليه أو وجهه أو بعض جسده فإن أخرجه ذلك إلى اسم المرض وكان عليه من إمساسه الماء حرج تيمم فقط لأن هذا حكم المريض .انتهى
وقال الوزير ابن هُبيرةَ في الإفصاح: واختلفوا فيمن بعض بدنه صحيح والبعض جريح؟
فقال أبو حنيفة: الاعتبار بالأكثر؛ فإن كان هو الصحيح غسله ويسقط حكم الجريح إلا أنه يستحب مسحه، وإن كان هو الأقل تيمم وسقط الغسل. وقال مالك: يغسل الصحيح ويمسح على الجريح، ولا يتيمم. وقال الشافعي وأحمد: يغسل الصحيح ويتيمم للجريح .انتهى.
والخلاصة: أنك إذا كنت تخشى الضرر إذا اغتسلت تغسلُ ما تقدر عليه من بدنك ثم تمسحُ على الباقي، فإن عجزت عن المسح عليه تيممت له. وانظر الفتوى رقم: 114241.
والله أعلم.