الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك السعي للتوبة، والحرص على التخلص من تبعة المال الحرام، الذي لا ينبت منه لحم إلا كانت النار أولى به، والتوبة منه لا بد فيها من بذل الطاقة والوسع في رد المسروقات وكافة الحقوق إلى أصحابها، وأما الربح الناشئ عن استثمار هذا المال ففيه اختلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من ذهب إلى أنه للعامل استنادا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. رواه الخمسة. وذهب البعض إلى أنه تابع للمال، وأن لا شيء للعامل منه. ولعل القول الأعدل في ذلك هو أن يكون بينهما لأنه إنما حصل بمال هذا وعمل هذا، ويمكنك أن تراجع في هذا فتاوى ابن تيمية.
فإن تعسر عليك معرفة أصحاب الحقوق أو الوصول إليهم بعد بذل ما يمكنك في ذلك، فلتتصدق بهذا المال باسم أصحابه بحيث إن طالبوا بحقوقهم يوم القيامة كان ثواب تلك الصدقة كافيا لقضاء حقوقهم. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية:3051، 6022، 3519.
فإن فعلت ذلك وتخلصت من المال الحرام وأرباحه، وبقي الجزء الحلال وأرباحه طاب لك استعماله في المأكل والمشرب وأداء الزكاة. وعليك أخي الكريم بكثرة أعمال البر والطاعة تعويضا عما فات؛ فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114}
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني.
ثم نبشر السائل الكريم بقول الله سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70} وقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
والله أعلم.