الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعليك أيتها السائلة أن تحمدي الله على ما أصابك من سوء، وأن تستغفري لذنبك، وأن تقابلي قضاء ربك بالصبر والرضا، فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن إلا الخير، وإن بدا ذلك في صورة الشر والضرر، قال رسول الله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم وغيره.
واعلمي أيتها السائلة أن عواقب الأمور مغيبة عن الإنسان لا يعلمها إلا علام الغيوب جل في علاه، ورب أمر نظر الإنسان فيه فحسبه محض الشر، والحقيقة أن فيه خيره وفلاحه، ورب أمر نظر فيه الإنسان فحسبه محض الخير وفيه حتفه وهلاكه، قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216}.
يقول ابن القيم: فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة، لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها مالا يعلمه العبد. انتهى.
أما بالنسبة لما ذكرت من كون زوجك يقترف الأموال الحرام في مطعمه ولا يتحرى الحلال، وإن كان كما تقولين استمرأ التزوير والتدليس والنصب على الناس، فكان عليك أن تنصحيه وأن تخوفيه بالله وعقابه، وبعاقبة أكل المال الحرام وما له من تأثير لا ينكر في خراب البيوت وفساد الذرية وخيبة الرجاء وضياع الآمال, وأن تهدديه لطلب الطلاق إن لم يقلع عما يفعل، ولكن أما وقد حدث ما حدث، ونزل به من البلاء ما نزل وذاق وبال أمره وعاقبة بغيه، فإنا ننصحك بالصبر ومحاولة مساعدته بما تقدرين في حدود طاقتك ودون أن تكلفي نفسك ما لا تطيقين، حتى يأذن الله بزوال هذه الغمة وذهاب هذه البلوى، ويخرج من محنته، فإذا تم ذلك وفرج الله عنه، فحينئذ عليك أن تضعيه بين خيارين لا ثالث لهما؛ إما الاستقامة على أمر الله سبحانه وترك الحرام وإما الطلاق والانفصال عنه
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية: 54858، 64596، 61093، 70126، 39315.
والله أعلم.