الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكرَ الله لكَ حرصكَ على الخير وتحريكَ للحق، وللجوابِ على سؤالك، نحبُ أن نزيلَ عنك شبهة، فإن من رخص في العمل بالحديث الضعيف من العلماء لا يُفهمُ من كلامه إمكانُ إحداث عبادةٍ لم تثبت مشروعيتها بحديثٍ صحيح، ولزيادة البيان نقول:
إن العلماء اختلفوا في العمل بالحديث الضعيف، فذهبَ جماعةٌ منهم إلى منع الاحتجاج به مطلقا ولم يرخصوا في روايته إلا مع بيان ضعفه كابن معين والبخاري ومسلم وأبي بكر بن العربي الفقيه وغيرهم..
وذهبَ جمهور العلماء وحكاه غيرُ واحدٍ اتفاقا إلى أن الحديث الضعيف يمكن الأخذ به في الفضائل، لكنهم قيدوا ذلك بشروط انظرها في الفتوى رقم: 13202.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً هذا المعنى في "مجموع الفتاوى": ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله. اهـ.
إذا علمتَ هذا ظهرَ لكَ بوضوح أن إحياءَ ليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام، والدعاء عند كل عضوٍ من أعضاء الوضوء ليس مما يجوزُ الاحتجاجُ فيه بالحديثِ الضعيف.
أما أولاً: فلأن ضعف الأحاديث في المسألتين جميعاً ضعفٌ شديدٌ جدا، بل عامة الأحاديث في المسألتين موضوعات ومناكير، ومثل هذه الأحاديث لا يُجوّز الاحتجاج بها أحد، نعم حسَّن بعض العلماء أحاديث في فضل ليلة النصف، لا تدلُ على جواز تخصيص ليلتها بقيام ولا يومها بصيام، وانظر الفتوى رقم: 15513،
وفي مسألة الدعاء عند أعضاء الوضوء فقد بينا أنه لم يثبت عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوءِ شيءٌ.
وأما ثانياً: فلو فرضنا سلامة هذه الأحايث من الضعف الشديد فهي لا تندرجُ تحت أصلٍ عام، أي لا يوجدُ ما يشهدُ لها من الصحيح، وقد مر بك كلامُ شيخ الإسلام الدال على أن مثل هذا لا تقوم به حجة.
والله أعلم.