الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر السائل الكريم على تدبره لكتاب الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياه طمأنينة وإيماناً. وبخصوص سؤاله فإن وعد الله تعالى لآدم عليه السلام بما ذكر لم يكن بعد خروجه من الجنة -كما توهم- وإنما كان قبلها، والضمير في قوله تعالى "فيها" راجع إلى الجنة وليس الأرض لأنها لم يرد لها ذكر من قبل، فإذا قرأت بداية السياق، وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {طه:115}، اتضح لك ذلك قال أهل التفسير: لما خلق الله آدم وفضله، أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغداً، واسعاً هنيئاً، حيث شاءا من أصناف الثمار والفواكه، وقال لهما: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ. شجرة بعينها الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحاناً وابتلاء... وقوله تعالى: فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ. يدل على أن النهي للتحريم، لأنه رتب عليه الظلم، وقال له: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا -أي في الجنة- وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الطعام والشراب والكسوة والمسكن، وأنك إن ضيعت هذه الوصية، وأطعت العدو (الشيطان) أخرجكما من الجنة فشقيت تعباً ونصباً، أي جعت وعريت وظمئت وأصابك حر الشمس... لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة، وخص آدم بالذكر لأنه المسؤول والمكلف بالكسب وبتحصيل هذه الأمور من النفقة والكسوة والسكنى.. وبذلك تعلم أنه لا تعارض بين الآية الكريمة وما يقع لبني آدم في الأرض.
والله أعلم.