الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت هذه المرأة قد أتت جدة بقصد زيارة ابنتها وليس في نيتها أنها تؤدي العمرة، ثم بدا لها وهي في جدة أن تعمل عمرة، فإن الواجب عليها أن تحرم من حيث هي فميقاتها الموضع الذي تنشئ منه العمرة، لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما ذكر مواقيت الإحرام: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فمهله من أهله، حتى أهل مكة يهلون من مكة. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 48666.
وأما إذا كانت أتت لزيارة ابنتها وكان في نيتها أن تعتمر، فكان الواجب عليها أن تُحرم من الميقات، وميقات أهل مصر هو الجحفة وقد خربت فصار الناس يحرمون من رابغ، وإذ قد خالفت فلم تحرم من الميقات فالواجب عليها أن ترجع إلى الميقات وتحرم منه، ولا دم عليها إن فعلت ذلك على الصحيح، فإن أحرمت دون الميقات فعليها دم لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك شيئاً من نسكه فعليه دم.
قال الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن جمهور أهل العلم على أن من جاوز ميقاته من المواقيت المذكورة غير محرم، وهو يريد النسك أن عليه دماً، ودليله في ذلك أثر ابن عباس الذي قدمناه موضحاً: من نسى من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً. قالوا: ومن جاوز الميقات غير محرم، وهو يريد النسك فقد ترك من نسكه شيئاً، وهو الإحرام من الميقات. فيلزمه الدم.
وأظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات، ثم رجع إلى الميقات وهو لم يحرم أنه لا شيء عليه لأنه لم يبتدئ إحرامه إلا من الميقات وأنه إن جاوز الميقات غير محرم وأحرم في حال مجاوزته الميقات، ثم رجع إلى الميقات محرماً أن عليه دماً لإحرامه بعد الميقات، ولو رجع إلى الميقات فإن ذلك لا يرفع إحرامه مجاوزاً للميقات. انتهى.
والله أعلم.