الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نوه الإسلام بالفكر والتفكير وحث على استعماله.. فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه.. والتفكر في قدرة الله تعالى وعظم مخلوقاته والتأمل في آياته المبثوثة في هذا الكون الفسيح من أعظم العبادات التي تزيد في الإيمان وتنور البصيرة وفي كل شيء له آية.. تدل على أنه واحد، ولا يكون التفكير في ذات الله تعالى وإنما يكون في آلائه ومخلوقاته، كما قال بعض أهل العلم:
الخوض في ذات العلي إشراك * والعجز عن إدراكه إدراك
وموقن وجود رب واعترف * بالعجز عن إدراكه فقد عرف
وليس ذنب فوق ذنب الخائض * بالفكر في ذات الإله الخافض
ما انفك عاجزاً عن العلم به * من أين للمخلوق علم ربه
غاية علم العلما ومنتهى * إدراك أرباب العلوم والنهى
أن يعلموا أن لهذا الخلق * مخترعا أوجده بالحق
وقال القرطبي في التفسير: إنما التفكر والاعتبار وانبساط الذهن في المخلوقات، كما قال تعالى: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...
فقد حث علماء السلف على استعمال الفكر وجعلوه من أعظم العبادات، فقد نقل القرطبي عن بعضهم طرفاً من ذلك فقال: حكي أن سفيان الثوري رضي الله عنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته.. وروى ابن القاسم عن مالك قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر، قيل له: أفترى التفكر عملاً من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين. وقال ابن المسيب: إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله، وقال الحسن: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقاله ابن عباس وأبو الدرداء، وقال الحسن: الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته، ومما يتفكر فيه مخاوف الآخرة من الحشر والنشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها..
والله أعلم.