الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لوالدك أن يمنعك من الزواج طالما كنت تقدر على تبعاته، خصوصا مع ما ذكرته من كونك تخشى على نفسك الفتنة والشهوات, لأن من كان هذا حاله فقد وجب عليه الزواج.
قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح.
فالذي ننصحك به هو أن تحاول إقناع والدك بأمر زواجك وأن توضح له الحكم الشرعي في ذلك, فإن لم يستجب لك فعليك بمن له منزلة ووجاهة عنده من أصدقائه أو من أهل العلم والخير ليقنعه بذلك, فإن لم يستجب مع كل ذلك فيمكنك أن تتزوج بدون إذنه لأن إذن الوالدين ليس من شروط صحة النكاح بالنسبة للشاب البالغ الرشيد, لكن إذا فعلت فعليك بعد ذلك أن تحاول استرضاءه بكل طريق لأنه لا يخفى عليك ما للوالد من حقوق حتى وإن تعدى على ولده بدون حق.
أما بالنسبة للتكاليف المادية التي يضعها بعض الناس عقبة أمام زواج بناتهم فإنه لا يخفى على عاقل ما في غلاء المهور من المفاسد والمضار التي منها انتشار العنوسة بين الجنسين، وإثقال كاهل المتزوجين بديون يرزحون تحت وطأتها لسنوات عديدة. وقد يتسبب ذلك في أن الزوج إذا لم توافقه الزوجة ولم يمكنه إمساكها فمن الصعب عليه أن يطلقها ويسرحها سراحاً بالمعروف لأنه يرى أنه قد خسر في زواجه منها خسارة كبيرة فيلجأ - إذا لم يتق الله تعالى- إلى مضارتها وتضييع بعض حقوقها ليلجئها إلى الافتداء منه بما يخفف عليه تلك الخسارة، لذلك كله كان من هدي الإسلام تخفيف مؤونة النكاح. قال صلى الله عليه وسلم: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني.
جاء في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث: وتيسير صداقها أي عدم التشديد في تكثيره ووجد أنه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله. وتيسير رحمها: أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل ، قاله عروة، قال: وأنا أقول: إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها. انتهى.
فثبت أن هدي الإسلام هو التيسير في الزواج والتسهيل في المهور والأجور, ومن أراد معرفة ذلك فليقرأ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه وتزويجه. وهدي صحابته رضي الله عنهم في ذلك , فقد تزوجت امرأة بنعلين فأجاز النبي نكاحها، وقال للرجل: التمس ولو خاتما من حديد. فالتمس فلم يجد شيئا، فقال النبي: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وكذا، فقال النبي: زوجتكما أو قال: ملكتكها بما معك من القرآن.
وقال أمير المؤمنين عمر: لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي. رواه الخمسة وصححه الترمذي.
هذه هي سنة الرسول الكريم وصحابته الكرام في أمور المهور، فمن أراد الفلاح والنجاح فليتبع سنتهم .
وللفائدة تراجع الفتويين: 3074، 77465.
والله أعلم.