الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاستمناءُ أو ما تسميه بالعادةِ السرية فضلاً عن كونه محرماً وقد بينّا تحريمه مراراً، فهو مُفسدٌ للصوم إذا خرجَ المني بغيرِ خلافٍ بين العلماء، قال ابن قدامة في المغني: ولو استمنى بيده فقد فعل محرماً، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل، فإن أنزل فسد صومه. انتهى .
وقال أيضاً: إذَا قَبَّلَ ( أي زوجته ) فَأَمْنَى فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ. انتهى .
وقد أبدعَ العلامة العثيمين في الاستدلال لهذه المسألة، فقال في الشرح الممتع: إذا طلب خروج المني بأي وسيلة سواء بيده أو بالتدلك على الأرض أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين:
الوجه الأول النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم: يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم : وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. والذي يوضع هو المني .
الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم ، وكلا هذين يضعفان البدن .
أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً .
وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على الحجامة والقيء .
وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس . انتهى باختصار .
وبهذين الدليلين: قضاء الشهوة ، وإضعاف البدن ، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن الاستمناء مفسد للصيام . انظر مجموع الفتاوى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله ؛ لقوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة. انتهى.
وأما بالنسبةِ للشقِ الثاني من سؤالك فإن رمضانَ إذا دخل فقد وجبَ صومه على من شهده ممن ليس معذوراً بالإجماع، لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ {البقرة: 185}، وسواء كان عليه قضاءٌ أو كفارات أو لا، ولكن إذا كانَ عليه قضاءٌ من رمضان فإنه يأثم بتأخيره من غير عذر حتى يدخلَ رمضان الآخر، وتلزمه الفدية للتأخير وهي طعامُ مسكينٍ عن كلِ يوم كما قال به الجمهور، وانظر الفتوى رقم:38204.
وأما الكفارات فلا يأثمُ بتأخيرها عن رمضان التالي لأنها في ذمته على التراخي عند كثير من أهل العلم، ولكن ينبغي أن يبادرَ بفعلها إبراءً لذمته.
والله أعلم.