الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجواب سؤالك يتبين بمعرفة أقوال أهل العلم في حكم تأخير الزكاة وحكم تعجيلها، فأما تأخير الزكاة عن الحول من غير عذر فغير جائز بلا شك، كما لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولا تأخير الصيام عن وقته، ولأنه حق للفقراء فلم يجز منعهم منه، ولا حرمانهم من الانتفاع به، ولأن الأمر بإيتاء الزكاة يقتضي وجوب الامتثال على الفور، وقد روي في الحديث: ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته. وهو وإن ضعفه الأئمة لكن معناه حسن وهو في باب الترغيب والترهيب، فيتساهل فيه، وقد قال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح.
ورخص بعض أهل العلم في تأخير الزكاة مدة يسيرة كاليوم ونحوه لمصلحة راجحة.
وأما تعجيل الزكاة في الأموال التي يشترط لزكاتها الحول كالأثمان والعروض فأجازه الجمهور ومنعه مالك وأهل الظاهر، وحجة الجمهور ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة سنتين.. حسنه الألباني، ويشهدُ لحسنه ما في صحيح مسلم حين قيل إن العباس منع الزكاة فقال صلى الله عليه وسلم: هي علي ومثلها.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: ومما يرجح أن المراد ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة، وأيضاً الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس. انتهى.
والراجح مذهب الجمهور لثبوت الحديث وورود ما يؤيده ولأن الحول كما يقول الخطابي إنما شرط رفقاً بالمكلف فإذا أسقطه سقط، لكن ينبغي أن يقيد التعجيل بالحولين فلا يزاد عليهما عملاً بظاهر السنة... إذا علمت هذا فإخراجك الزكاة في هذا الشهر جائز على قول الجمهور، وإذا أخرجت بعضها جاز كذلك، وكان عليك الباقي عندما يحول الحول، فإذا زاد المال في أثناء الحول زيادة تابعة للأصل وجبت زكاة الزيادة عند حول الأصل، وإذا نقص المال عند حلول الحول فالزائد المخرج عند إخراج الزكاة صدقة، وانتظارك حتى يحول الحول أولى لأن فيه خروجاً من الخلاف، ولأن الفقراء يحتاجون إلى المال طيلة العام وإخراجها في رمضان من كل عام يفوت هذه المصلحة، ولا ارتباط شرعاً بين زكاة المال وزكاة الفطر ولا بين زكاة المال ورمضان، وأما تأخير الزكاة حتى يأتي رمضان الآخر فيكون قد مضى عليها بعد الحول بضعة أشهر فغير جائز قطعاً، وقد بينا دليل ذلك في أول الجواب.
والله أعلم.