الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن العفو عن المسيء قد رغب فيه الشرع ووعد عليه بالأجر الكبير والخير الكثير، قال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}، ويتأكد ذلك إذا كان هذا مع الأقارب، فعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم. وتسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
وقد أجاز الشرع للمظلوم أن يقتص من ظالمه، لكن بشرط أن يتحرى المماثلة ولا يتعدى، قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126}، فيجوز لك إذا كنت مظلوماً أن تدعو على الظالم بقدر ظلمه دون تعد، وإن كان الأولى ترك ذلك، والمداومة على ما تدعو به من خير لهم وللمسلمين، فإن ذلك أنفع لك ولهم وأعظم لأجرك عند الله... أما أن تجمع بين الدعاء لهم وعليهم في نفس الوقت فإن هذا من الاعتداء الذي لا يجوز في الدعاء، لما فيه من التناقض الواضح.
والله أعلم.