الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فموقف أبيك منكم عموماً ومن أخيك خصوصاً غير عادل، إذ على الأب في مثل هذه المواقف ألا ينحاز إلا للحق ولا يقوم إلا بالقسط امتثالاً لأمر الله القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:135}، وقول الأب إن نعل أخيه أفضل من أولاده غير جائز وهو من جحود نعمة الله، فإن الولد من أعظم نعم الله على العبد، ولو أن هذا الأب حرم نعمة الولد لما قال ما قال، ولكم رأينا من أناس حرموا نعمة الولد يودّ أحدهم لو رزق ولداً ولو معاقاً، ولكن الله قد تفضل على هذا الأب بالولد فقابل نعمة الله بالتنكر، وكيف يفعل هذا وقد وصاه الله بأولاده وصية مؤكدة، حيث قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ {النساء:11}، قال السعدي رحمه الله: أي: أولادكم -يا معشر الوالدين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
ولكن على أية حال ينبغي بر الأب ومصاحبته بالمعروف والإحسان إليه مهما بدر منه في حقكم، وأما العم فلا ينبغي أن يكون هذا سلوكه مع ابن أخيه الذي هو في منزلة ابنه وكان عليه بدلاً من هذا أن يقف معه وأن يكون عوناً له على مصاعب الدنيا وحوادث الدهر، وما فعله من ذهابه للزبائن ليصرفهم عن ابن أخيه ليأتي هو بالسلع بدلاً منه لا يجوز وهو داخل في نهيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: لا يبع أحدكم على بيع أخيه. رواه البخاري وغيره.
والناظر في هذه المشكلات التي تحدث في محيط عائلتكم وبين أفرادها يجد سببها الأساسي هو التنافس في الدنيا فهذا هو أصل الداء وأساسه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث المتفق عليه: فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.
فأعلمهم أخي رحمك الله أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ويكفي في ذمها أن الله سبحانه وصفها في كتابه بأنها لهو ولعب، قال سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20}،
فماذا يريد الناس من دار هي لعب ولهو وغرور، قال أحد الصالحين: الدنيا بحر عجاج ليس راكبه بناج، هدوؤها انزعاج وسكونها اختلاج ضيقة الفجاج كدرة المزاج لا تغرنك ولو ألبستك التاج، من صح فيها أمن ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، حلالها حساب وحرامها عذاب.
فواجبك أخي تجاه عائلتك هو النصيحة والتذكير بالدنيا ووضاعتها وفتنتها وسرعة انقضائها وزوالها، وأنه لا ينبغي أن تكون سبباً في قطع ما أمر الله بن أن يوصل من الأرحام، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فساد ذات البين، وسماه الحالقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني..
وفقك الله لإصلاح ذات بينكم، وللفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 111863، والفتوى رقم: 8173.
والله أعلم.