الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من حق الزوجة على زوجها ألا يغيب عنها لغير عذر أكثر من ستة أشهر، إلا بإذنها، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه سأل ابنته حفصت: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فوقَّتَ للناس في مغازيهم ستة أشهر.. يسيرون شهراً ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وسئل أحمد أي ابن حنبل رحمه الله: كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر.
وقال صاحب كشاف القناع من فقهاء الحنابلة: وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك.
وهذا من كمال الشريعة، وحرصها على حماية المرأة والرجل، ووقايتهما من الانحراف.
ولكن يستثنى من التقييد بهذه المدة: السفر الواجب كالحج والذي لا بد له منه كالسعي في الأرض لطلب الرزق، قال صاحب كتاب الإنصاف: قد صرح الإمام أحمد رحمه الله بما قال. فقال في رواية ابن هانئ وسأله عن رجل تغيب عن امرأته أكثر من ستة أشهر ؟ قال: إذا كان في حج، أو غزو، أو مكسب يكسب على عياله أرجو أن لا يكون به بأس, إن كان قد تركها في كفاية من النفقة لها، ومحرم رجل يكفيها. انتهى.
وبناء على ذلك فلو كانت إقامتك هذه لا بد لك منها لطلب الرزق الحلال الذي لن تجده ببلدك، فلا مانع من الزيادة على هذه الفترة، ولكن يستحب لك أن تعلم زوجتك بذلك ليخرج الأمر في صورة الاتفاق والتشاور فإن ذلك أطيب لنفسها.
وأما لو كانت سبل الرزق ميسرة لك في بلدك فلا يجوز لك أن تتغيب عن زوجتك أكثر من ستة شهور إلا بإذنها.
وعلى كل حال فإنا نوصيك ألا تتأخر عنها وعن أولادك طويلا خصوصا في هذه الأزمنة التي عمت فيها البلايا والفتن.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10254، 77173، 22429.
والله أعلم.