الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإنابة لا تصح في الوقوف بعرفة، بخلاف النيابة في الرمي، وعلى من أناب غيره في الوقوف بعرفة أن يحج حجة أخرى من قابل، فإن الوقوف بعرفة ركن أساسي من أركان الحج، يختص بأنه من فاته فقد فاته الحج. وقد ثبتت ركنية الوقوف بعرفة بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع، أما القرآن فقوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ {البقرة:199} فقد ثبت أنها نزلت تأمر بالوقوف بعرفة. وأما السنة: فعدة أحاديث، أشهرها حديث: الحج عرفة. وأما الإجماع، فقد صرح به عدد من العلماء، وقال ابن رشد: أجمعوا على أنه ركن من أركان الحج، وأنه من فاته فعليه حج قابل. اهـ.
فلو ترك الحاج الوقوف بعرفة عمدا أو نسيانا أو جهلا حتى طلع فجر يوم النحر لم يصح حجه، فلا يمكن التدارك بعد ذلك. وعليه أن يحل بعمرة.
والفقهاء يفرقون بين الركن والواجب في بابي الحج والعمرة باتفاق المذاهب الأربعة، فينصون أن للحج والعمرة أركانا وواجبات، وتظهر ثمرة التفريق بينهما في الترك، فمن ترك ركنا من أركان الحج أو العمرة لم يتم نسكه إلا به، فإن أمكنه الإتيان أتى به، وذلك كالطواف والسعي، وإن لم يمكن الإتيان به كمن فاته الوقوف بعرفة بأن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف، فإنه يفوته الحج في هذه السنة، ويتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل. وذلك لأن الماهية لا تحصل إلا بجميع الأركان (انظر الموسوعة الفقهية).
وقد فصلنا القول فيما يترتب على من فاته الوقوف في الفتوى رقم: 7345، وبناء على ما في هذه الفتوى فإن لم يكن هذا الأخ قد اشترط أو تحلل بعمرة فهو مازال باقيا على إحرامه فإما أن يرجع فيتحلل بعمرة، وإما أن يبقى على إحرامه ويتجنب محظورات الإحرام حتى يحج من قابل، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 71837.
والله أعلم.