الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: لقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، لا سيما في حال ضعفهما وعجزهما، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} ومن الإحسان إلى الوالدين، الإنفاق عليهما عند حاجتهما، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. ولكن يشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الابن ما ينفقه على والده زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم فإذا كنت لا تجد مالاً فاضلاً عما تحتاجه لحاجاتك الأصلية، فلا يلزمك الإنفاق على والدك، وتجب نفقته على إخوتك الموسرين. أما عن تفضيل والدك لإخوتك عليك وسماحه لهم بالبناء في بيته دونك، فإن هذا إذا كان بغير سبب يقتضي التفضيل، فإنه ظلم قد نهى الشرع عنه، فعن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع، فرد عطيته. متفق عليه. لكن هذا الظلم لا يبيح لك مقاطعة والدك أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} وإنما لك أن تنصحه في ذلك بالرفق، أو تستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه. وعليك أن تجتهد في الإحسان إليه بكل ما تستطيعه، وتعتذر له عن دفع النفقة لعجزك عن ذلك، وبمجرد أن يتيسر لك دفع شيء من النفقة فلا تتوانى في دفعه، واعلم أن حرصك على بر والدك والإحسان إليه، من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أواحفظه. والله أعلم.
رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.