الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عقيدة المسلم الصحيحة في ربه، هي: تنزيهٌ له بلا تعطيل، وإثبات لصفاته بلا تمثيل، فما ورد إثباته من ذلك في كتاب الله، والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات الله، أثبتناه، وما ورد نفيه، نفيناه، وما لم يرد إثباته ولا نفيه، سكتنا عنه، لا نزيد على ذلك ولا ننقص.
ومما ورد إثباته من الصفات: ما جاء في الحديثين المسؤول عنهما:
الأول: ما رواه الإمامان البخاري، ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى -يا رب-، قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) {محمد:22}. قال الحافظ أبو موسى المدني في المجموع المغيث: وإجراؤه على ظاهره أولى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رده على الرازي في زعمه أن هذا الحديث يجب تأويله، قال: فيقال له: بل هذا من الأخبار التي يقرّها من يقرّ نظيره، والنزاع فيه كالنزاع في نظيره، فدعواك أنه لا بدّ فيه من التأويل بلا حجة تخصّه، لا تصحّ.
وقال شيخ الإسلام أيضًا: وهذا الحديث في الجملة، من أحاديث الصفات التي نص الأئمة على أنه يمر كما جاء، وردّوا على من نفى موجبه، وما ذكره الخطابيّ، وغيره: أن هذا الحديث مما يتأوّل بالاتفاق، فهذا بحسب علمه، حيث لم يبلغه فيه عن أحد من العلماء أنه جعله من أحاديث الصفات التي تمرّ كما جاءت.
قال القاضي أبو يعلى: اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره، وأن (الحقو)، و(الحجزة) صفة ذات، لا على وجه الجارحة، والبعض، وأن الرحم آخذة بها، لا على وجه الاتصال، والمماسة، بل نطلق ذلك تسمية، كما أطلقها الشرع، وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله -رحمه الله- هذا الحديث في كتابه، وأخذ بظاهره، وهو ظاهر كلام أحمد. انتهى.
الثاني: ما رواه أحمد عن يعلى العامري أنه جاء حسن، وحسين -رضي الله عنهما- يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضمهما إليه، وقال: "إن الولد مبخلةٌ، مجبنةٌ، وإن آخر وطأة وطئها الرحمن عز وجل بوَج". قال سفيان بن عيينة: تفسيره: آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الطائف وحصاره ثقيفًا. وقال سفيان: وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف"، فتتابع القحط عليهم سبع سنين؛ حتى أكلوا القد، والعظام، وتقول في الكلام: اشتدت وطأة السلطان على رعيته، وقد وطئهم وطأً ثقيلًا.
والله أعلم.