الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب أن تعلم في هذا المقام عدة حقائق نجيب من خلالها على تساؤلك...:
أولاً: أن أمثال هؤلاء إنما مقصدهم تشكيك المسلمين في عقيدتهم ودينهم وليس مقصدهم البحث عن الحق، فإن الحق واضح أبلج، ولو كان هؤلاء يريدون الحق، فليطلبوه من مظانه، وليطرحوا شبهاتهم لا على آحاد المسلمين من العوام، بل على علمائهم طالبين استيضاح الحق لا الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.
ثانياً: هذا الطرح ونحوه ليس جديداً من هؤلاء الشيوعيين الملحدين، بل هم يتبعون في ذلك أسلافهم ورؤساءهم في الكفر، وهم اتباع إبليس لما لبس على بعض العباد من المسلمين، وذلك كما سيأتي في النقطة الموالية.
ثالثاً: قد أجاب علماء المسلمين على هذه الشبهات الداحضة ببساطة متناهية بأن قالوا: إن هذا ممتنع تصوره أصلاً وهو من باب فرض المحال، فليس بحقيقة، ولا يترتب عليه شيء ولا ينشأ عنه إلزام.. جاء في منهاج السنة النبوية لابن تيمية: والله تعالى على كل شيء قدير لكن اجتماع الضدين لا يدخل في عموم الأشياء فإنه محال لذاته، وهذا بمنزلة أن يقال: هلا أقدر هذا العبد أن يسافر في هذه الساعة إلى الغرب للحج وإلى الشرق للجهاد فيقال: لأن كون الجسم الواحد في مكانين محال لذاته فلا يمكن هذان السفران في آن واحد، وليس هذا بشيء حتى يقال إنه مقدر بل هذا لا حقيقة له وليس بشيء بل هو أمر يتصوره الذهن كتصوره لنظيره في الخارج ليحكم عليه بالامتناع في الخارج، وإلا فما يمكن الذهن أن يتصور هذا في الخارج، ولكن الذهن يتصور اجتماع اللون والطعم في محل واحد كالحلاوة البيضاء والبياض ثم يقدر الذهن في نفسه هل يمكن أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد كاجتماع اللون والطعم...
فيعلم أن هذا الاجتماع ممتنع في الخارج ويعلم أنه يمكن أن زيدا قد يكون في الشرق وعمراً في الغرب، ويقدر في ذهنه هل يمكن أن يكون زيد نفسه في هذين المكانين كما كان هو وعمرو فيعلم أن هذا ممتنع... انتهى.
ويوضح ذلك ويجليه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد؟ والعالم لا نصيب منه والعابد نصيب منه؟ قال: انطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري، فقال: أترونه! لم تنفعه عبادته مع جهله... فسألوا عالماً عن ذلك، فقال: هذه المسألة محال لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً، فكونه مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً لم يكن مثله، بل كان عبداً من عبيده، فقال: أترون هذا! يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين. انتهى.
ومنذ فترة قريبة ورد سؤال في إذاعة لندن كهذا السؤال وهو: إذا كان الله على كل شيء قدير، فهل يقدر أن يخلق أكبر منه أو أعظم منه؟! فعرضها من سمعها على بعض أهل العلم من المعاصرين فأجاب قائلاً: هذه الشبهة لا يقولها إنسان عاقل، لأن هذا الإنسان العاقل إن كان مؤمناً بالله، فإن كل من يؤمن بالله من مسلم أو يهودي أو نصراني أو غير ذلك يؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه وتعالى لا شيء مثله، ولا شيء أكبر منه، فشيء يحيله العقل كيف تسألون عنه، هل يفعله الله أو يقدر عليه؟! فقد تناقضتم مع اعترافكم ومع إقراركم بأنه محال، فالسؤال إنما يكون عن الأمور الممكنة، ولا يحتاج أن يرد عليكم إلا ليبين تناقضكم في نفس سؤالكم من نفس كلامكم وما تعتقدونه.
فأنتم تقولون وكل العقلاء إن المحال شيء والممكن شيء آخر، وأن الوصفين لا يجتمعان في حق أي شيء فيكون ممكنا ومحالاً في نفس الوقت، فالسؤال هذا هو عن الإمكان، والسؤال عن الإمكان لا يكون بالمحال، وهذه من فلسفات الزنادقة، وتمويهات السفسطائية، يريدون أن يلبسوا على المسلمين وخاصة العوام بأمثال هذه الفلسفات التي لا أصل لها ولا حقيقة لها. انتهى.
رابعاً: الواجب على كل مسلم خاصة إذا كان غير ضليع في العلم أن لا يسمع لأمثال هؤلاء المشككين، بل يمتثل لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {النساء:140}، وكان السلف رحمهم الله يحذرون من الاستماع لأهل البدع ومجالستهم، فكيف بأهل الكفر والإلحاد!.
والله أعلم.