الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن تزوج بأكثر من زوجة فإنه يجب عليه أن يعدل بين أزواجه، ومن لا يستطيع العدل فليقتصر على زوجة واحدة, قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء:3} فالمقصود من الآية الكريمة بيان منهج الله في الزواج، وأن الزواج بأكثر من واحدة مشروط بشرط العدل بين الزوجات في المبيت والطعام والمسكن وسائر النفقات، أما الذين يتزوجون ولا يعدلون فهم ظالمون آثمون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
قال العيني رحمه الله: "وشقه مائل" والجزاء من جنس العمل ولما لم يعدل أو حاد عن الحق كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل. انتهى كلامه بتصرف.
وقال ابن حزم رحمه الله في"المحلى": والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي.انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان....."الحديث, فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم. اهـ "مجموع الفتاوى
والعدل بين الزوجات يكون في القسم، وذلك بأن يكون لكل واحدة ليلة، أو بحسب ما يتراضى الزوجان، أو الأزواج عليه، فإذا تراضوا على ليلتين أو أكثر فإن هذا جائز، والسنة أن يكون كهدي النبي –صلى الله عليه وسلم.
وعلى الزوج أن يعلم أنه إذا تزوج امرأة أخرى، فإن كانت بكرا أقام عندها سبعا ولا يقضيها للباقيات، وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ولا يقضيها إلا أن تشاء الثيب أن يقيم عندها سبعا، فإنه يقيمها عندها ويقضي للباقيات وذلك لما روى أبو قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم، قال أبو قلابة: لو شئت لقلت إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم. متفق عليه، ولما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وإن شئت ثلثت ثم درت. قالت ثلّث.
ثم بعد هذه الفترة يجب على الرجل أن يعود للقسم بين زوجاته في المبيت.
أما بالنسبة لأمر الجماع فلا يجوز للرجل ترك مجامعة زوجه بل عليه أن يجامعها بما يحقق لها العفة بالمعروف وحسب الطاقة وبدون أن يضر ببدنه. ما لم يكن معذوراً بمرض أو سفر أو طلب معيشة، ونحو ذلك، ودليل ذلك أن تركه لجماع زوجته خلاف العشرة بالمعروف، وقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{النساء:19} ثم إنه لا شك أن للزوجة حقاً في الجماع كما للزوج، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 228} وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: إن لزوجك عليك حقاً. أخرجه البخاري ومسلم.