الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى, قال الله تعالى: وعاشروهن بالمعروف. ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون , وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما؛ لقول الله تعالى: من وجدكم ؛ ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة. انتهى.
ونص الفقهاء رحمهم الله على أن من شروط المسكن أن يكون خاصا بالمرأة لا يساكنها فيه غيرها إن هي أرادت ذلك.
قال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع: ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة. انتهى.
وقال الحطاب المالكي رحمه الله في مواهب الجليل: قال ابن فرحون: إن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة، فإن أفرد لها بيتاً في الدار ورضيت فذلك جائز؛ وإلا قضي عليه بمسكن يصلح لها. انتهى.
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله في كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق: وإذا وجبت(السكنى)حقاً لها (للزوجة) ليس له أن يشرك غيرها فيه ؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار.
فإذا كانت زوجتك تتضرر من الإقامة في مسكنك الحالي الذي تجتمع فيه مع أمك ولا تستطيع الإصلاح بينهما ، فعليك أن توفر لها مسكنا مستقلا بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني, ومن الممكن أن تراعي في هذا المسكن أن يكون قريبا من مسكن أمك بحيث تستطيع أن ترعي أمورها وأن تقوم على خدمتها وأن تباشر أمورها.
وينبغي عليك وأنت تقدم على هذا الأمر أن تتحلى بالحكمة والتروي حتى لا تتأذى أمك بمفارقتك لها، وعلى كل فإنا نقول لك: أمسك عليك زوجك وبر أمك ,أما في أمر إجازتك هذه فمن الممكن أن تصل إلى مسكن أمك تقديرا لها وبرا بها, ثم بعد ذلك تتوجه لزيارة زوجتك في بيت أهلها وتجلس معها بعض الوقت, ثم تذهبا لقضاء وقت في مكان آخر كما اقترحت أنت, ولعل في هذه الفترة يشرح الله صدر زوجتك وترجع للإقامة معك مع أمك فترة إجازتك، إلى أن ييسر الله لك في عملك ويرزقك من فضله الواسع وتستطيع أن توفر مسكنا مستقلا لزوجتك .
للفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34018 ، 6418 ، 101351.
والله أعلم.