الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرياء ضد الإخلاص ، والإخلاص: أن تقصد بعملك وجه الله ، أما الرياء فمشتق من الرؤية وهو أن يعمل العمل ليراه الناس ، والسمعة مشتقة من السمع وهو: أن يعمل العمل ليسمعه الناس.
وقولك: إذا عملت عملاً قصدته خالصاً لوجه الله ، ولكن بدون قصد علمه الناس، فشعرت بسعادة في قلبي فهل هذا يعتبر رياءً؟
جوابه: ما قاله ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين (ص: 220) : (وشوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر ، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلَع على عبادته أو لا يطلع ، ففيه شعبة من الرياء ، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر ، ومفسداً للعمل بل فيه تفصيل ، فإن قيل: فما ترى أحداً ينفك عن السرور إذا عُرِفت طاعته ، فهل جميع ذلك مذموم؟ فالجواب: أن السرور ينقسم إلى محمود ومذموم ، فالمحمود أن يكون قصده إخفاء الطاعة ، والإخلاص لله ، ولكن لما اطلع عليه الخلق ، علم أن الله أطلعهم ، وأظهر الجميل من أحواله ، فيُسَرُّ بحسن صنع الله، ونظره له ، ولطفه به ، حيث كان يستر الطاعة والمعصية ، فأظهر الله عليه الطاعة وستر عليه المعصية ، ولا لطف أعظم من ستر القبيح ، وإظهار الجميل ، فيكون فرحه بذلك ، لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم ، أو يستدل بإظهار الله الجميل ، وستر القبيح في الدنيا أنه كذلك يفعل به في الآخرة ، فأما إن كان فرحه باطلاع الناس عليه لقيام منزلته عندهم حتى يمدحوه ، ويعظموه ، ويقضوا حوائجه ، فهذا مكروه مذموم ، فإن قيل: فما وجه حديث أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل فيسره ، فإذا اطلع عليه أعجبه؟ فقال: "له أجران: أجر السر ، وأجر العلانية" رواه الترمذي ، فالجواب أن الحديث ضعيف ، وفسره بعض أهل العلم بأن معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير ، لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنتم شهداء الله في الأرض" وقد روى مسلم عن أبي ذر قيل: يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" فأما إذا أعجبه ليعلم الناس فيه الخير ويكرموه عليه فهذا رياء) انتهى.
والرياء شرك خفي ، فقد روى أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجال فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من الدجال؟ قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يدرك من نظر رجل" وروى أحمد عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء".
والرياء لا يحبط كل الأعمال ، وإنما يحبط العمل الذي حصل فيه الرياء.
عافانا الله وإياكم من الرياء ورزقنا الإخلاص.
والله أعلم.