الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، وأن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، ويحفظنا وإياك مما يسخطه سبحانه وتعالى، واعلم أن التدخين محرم، لما يترتب عليه من المضار المهلكة، والعواقب الوخيمة، ولخبثه، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ {المائدة: 4}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. {البقرة:172}. وقال عز من قائل مخبرا عما بعث لأجله رسوله صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف: 157}.
ومعلوم لدى كل عاقل أنه لو سئل أي شخص أين يضع الدخان؟ هل يضعه تحت الطيب أم الخبيث والنافع أم الضار؟ لأجاب كل ذي بصيرة أنه من الخبائث الضارة.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك. وقد صحح الحديث الشيخ الألباني.
وقال صاحب مراقي السعود: وأصل كل ما يضر المنع.
وقد استفاضت فتاوى العلماء المعاصرين في تحريم الدخان، وقد ثبت بشهادة الأطباء المختصين أن التدخين سبب إصابة تسعة من بين كل عشرة من المصابين بسرطان الرئة، وكذلك يدخل التدخين ضمن مسببات أمراض القلب والجلطة الدماغية وانتفاخ الرئة والتهاب القصبة الهوائية، وكذا هو سبب للإصابة بالعنة، أو الضعف الجنسي.
وقد قال أطباء بارزون: إنه يجب التعامل مع النيكوتين الموجود في التبغ كباقي المخدرات الخطيرة مثل: الهيروين والكوكايين.
وفضلا عن أن التدخين مهلكة للبدن ـ الذي هو أمانة لا يجوز التصرف فيه بما يضره ـ فهو كذلك إضاعة للمال الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي. وقال أيضا: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم قيل وقال، كثرة السؤال، وإضاعة المال. متفق عليه.
ولو رأيت رجلا يمسك بيده مالا ويوقد فيه النار لما ساورك شك في أنه مجنون. والمدخن يفعل ذلك تماما، فماذا يقال عنه؟
فعليك أن تكون قوي العزيمة جادا في التخلص من الدخان.. ومما يعين على ذلك عدة أمور منها:
الأول: إخلاص النية وصدق الرغبة، فإن من صدق مع الله أعانه. فإن ترك العوائد يصعب على من تركها لغير الله، كما قال ابن القيم رحمه الله.
الثاني: استحضار عظمة من عصيت وهو الله عز وجل، فقد قال أحد السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
الثالث: تذكر سوء عاقبة المعصية في الدنيا والآخرة، وكفى بأضرار التدخين من الإصابة بالسرطانات وأمراض الصدر عبرة بسوء عاقبته في الدنيا. وكفى بالسؤال عن تضييع النفس بتعريضها للهلاك، وعن تضييع المال فيما لا نفع فيه أمام الله تعالى يوم القيامة عبرة بسوء عاقبته في الآخرة.
وعليك أن تعلم أن الأطباء قد صرحوا بأن التدخين انتحار بطيء، وراجع في خطورة الانتحار الفتوى رقم:5671.
وأما الصلاة فإن أمرها عظيم عند الله تعالى، ومكانتها كبيرة في الدين لا يخفى ذلك على أي مسلم. قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً {النساء: 103} وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} وقال صلى الله عليه وسلام: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة. كما في السنن وصحيح ابن حبان. وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من لم يصل فهو كافر. رواه ابن عبد البر في التمهيد (4/226) والمنذري في الترغيب والترهيب (1/439). ولا يخفى أن هذه العقوبة لمن ترك الصلاة بالكلية، أما من يصليها لكنه يتكاسل في أدائها، ويؤخرها عن وقتها، فقد توعده الله بالويل فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5}.
ونقول للسائل: لم لا تصلي؟ ألا تخاف من الله؟ ألا تخشى الموت؟ أما تعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي.
وماذا يكون جوابك لربك حين يسألك عن الصلاة؟
ألا تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء. رواه البخاري ومسلم. و(الغرة): بياض الوجه، و(التحجيل): بياض في اليدين والرجلين.
كيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة، وليس عنده هذه العلامة، وهي من خصائص الأمة المحمدية، بل لقد وصف الله أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ {الفتح: 29}.
وقد تكلم العلماء باستفاضة عن عقوبة تارك الصلاة؛ كما في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي.
فعليك أخي الكريم -أن تتدبر الآيات وتتفحص تلك الأحاديث وأنت موقن مصدق، وداوم على التضرع إلى الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويعينك على نفسك ويوفقك للقيام بما افترضه عليك، والابتعاد عما يسخطه.
وأما مشاكل الدنيا فلست وحدك الذي تعاني منها، فالدنيا دار ابتلاء، وقد تكون أنت من أخف المبتلين فيها، فلو قلبت ناظريك في المرضى والمعاقين لحمدت الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم، وقال أيضا: ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس. رواه الترمذي.
وأما تمني الموت فإنه لا يجوز بحال مهما كانت الظروف، خصوصا إذا كان ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، وليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال في تحفة الأحوذي: ووجه النهي، أن تمني الموت يدل على الجزع في البلاء، وعدم الرضا بالقضاء.
والله أعلم.