خلاصة الفتوى:
الهجر لله لا يكون إلا إذا كانت المصلحة راجحة فيه على المفسدة، والهجر للنفس لا يجوز أن يزيد على ثلاث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن إخوتك من عقوق الأم، وسب ولعن وقذف أخواتهن، وظلم الزوجات في النفقة والمبيت وغير ذلك مما بينته... يعتبر بحق عملاً منافياً للدين، والواجب عليك هو نصحهم، وليكن ذلك بالحكمة وتنويع أساليب الدعوة لهم، فتارة ببيان الحكم الشرعي، وتارة بالموعظة، وتارة بتسميعهم الأشرطة وإهدائهم الكتيبات التي فيها ذكر لتلك المواضيع.
فإن أفاد هذا فاحمدي ربك على توفيقه، وإن لم يفد فلا بأس أن تكرري النصح ما دمت تطمعين في الإفادة وإلا جاز لك أن تهجريهم إذا رأيت في ذلك ردعاً لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كانت المصلحة في ذلك (أي في هجر العاصي) راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. انتهى.
فالهجر -إذاً- يختلف باختلاف الهاجر في قوته وضعفه وباختلاف المهجورين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، والمقصود منه زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله.. واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن الهجر الشرعي هو من الأعمال التي أمر الله ورسوله بها، والطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة مره فتكون خالصة لله صواباً، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا.
والهجر لحظ الإنسان لا يجوز أن يكون أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً. ونسأل الله أن يعينك على إصلاح حال إخوتك، ولتجعلي نصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدى بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
والله أعلم.