الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بعدك عن المسجد هذه المسافة يعد عذرا لك في التخلف عن الجماعة. وراجع الفتوى رقم:29370 وحينئذ فعليك أداء الصلاة جماعة في المكان الذي يتيسر لذلك في العمل أو المنزل، وإن حضرتها فلك إن شاء الله تعالى الأجر.
وأما حضورك الخطبة وانشغالك بقراءة القرآن لعدم فهم لغة الخطيب مع عدم وجود مترجم فالأولى تركه، بل الظاهر أنه لا يجوز لقوله تعالى، وَإِذَا قُرِئَ القُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا {الأعراف:204} قال أكثر المفسرين: نزلت في الخطبة، وسميت الخطبة قرآنا لاشتمالها على القرآن الذي يتلى فيها، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. واللغو الإثم.
قال الصنعاني في سبل السلام: والمراد بالإنصات قيل: من مكالمة الناس فيجوز على هذا الذكر وقراءة القرآن، والأظهر أن النهي شامل للجميع، ومن فرق فعليه دليل فمثل جواب التحية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره عند من يقول بوجوبها قد تعارض فيه عموم النهي هنا وعموم الوجوب فيهما، وتخصيص أحدهما لعموم الآخر تحكم من دون مرجح. اهـ
وقال الكمال بن الهمام: يحرم في الخطبة كلام، وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا، والأكل والشرب والكتابة، ويكره تشميت العاطس والسلام. وعن أبي يوسف لا يكره الرد لأنه فرض. اهـ
هذا، وقد اختلف الفقهاء في حكم الكلام للحاضر لخطبة الجمعة إذا لم يسمعها لبعد أو غيره، ومثل ذلك إذا سمعها ولم يفهم لغة الخطيب على قولين:
القول الأول: يحرم عليه الكلام، وبهذا قال بعض الحنفية، وبه قال المالكية، وهو قول للشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة وعليه أكثرهم، وبه قال ابن حزم.
القول الثاني: يجوز له الكلام، وبهذا قال بعض الحنفية وهو القول الصحيح عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.
ومما استدل به أصحاب هذا القول أن الإنصات ليس مقصودا لذاته بل ليتوصل به إلى الاستماع، فإذا سقط عنه فرض الاستماع سقط عنه الإنصات أيضا.
لكن يمكن مناقشة هذا الدليل بأن الإنصات ليس للاستماع فقط، بل له ولعدم التشويش على غيره من الحاضرين ليستمعوا، فإذا سقط الاستماع لتعذره للبعد أو لعدم فهم لغة الخطيب بقي التشويش على الحاضرين ممن يمكنهم الاستماع لقربهم من الخطيب أو لعلمهم بلغته، وتراجع الفتوى رقم: 12857.
والله أعلم.