الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن طلب العلوم الشرعية من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، وقد رغب الإسلام في طلب العلم عموماً، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة:11}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم.
وروى ابن ماجه وصححه الألباني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
والذي تفكر فيه من كون العلم سيكون حجة عليك، أو أنك لا تجد ثمرة للعلم في الواقع هو من عمل الشيطان وتلبيسه عليك لتترك ما أنت عليه من خير عظيم. فأعرض عن ذلك واستمر في طلب العلم النافع، واعلم أن ثمرة العلم هو العمل به، والتقرب به إلى الله، وتبليغه بتعليمه والدعوة إلى الله تعالى به، ولا يصدنك توقع عدم إمكانية التدريس عن إتمام تعلمك فالله اعلم بما سيكون و يخلق مالا تعلمون.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ورد هذا السؤال:
يعلم الجميع أن العلم الشرعي مقرون بالعمل، فما رأي الشرع في الشخص الذي يتوقف عن طلب العلم بدعوى تقصيره في العمل، هل هو محق أم يتوجب عليه التعلم حتى ولو كان حاله كما ذكر؛ لعل عمله ينميه علمه؟
فأجابت:
ترك طلب العلم خشية التقصير في العمل خداع من الشيطان ليضل بني آدم، والواجب على المسلم طلب العلم النافع والعمل الصالح، قال صلى الله عليه وسلم: « طلب العلم فريضة على كل مسلم »، وقال صلى الله عليه وسلم: « من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة ». وما عرف التخذيل عن طلب العلم بهذه الحجة الداحضة إلا من قبل الصوفية الضلال، فالواجب عدم الالتفات لهذا التخذيل، والإقبال على طلب العلم النافع.اهـ.
وليس صحيحا أن العلم لا يكون حجة لك إلا إذا أوصلته للناس، بل المطلوب بالعلم إصلاح نفسك أولا وتصحيح عبادتك والتقرب إلى الله بذكره ومعرفة أمره ونهيه وأسمائه وصفاته وغير ذلك مما لا يحصل إلا بالعلم ؛ ثم إبلاغه للناس وهو حسب الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
فإن افترض حصول تقصير في البلاغ فلا يكون ذلك بأي حال مسوغا للتقصير في التعلم. والعاقل لا يترك ما نفعه متأكد ويقيني من أجل تقصير متوهم ومظنون.ولا يترك واجبا – كطلب العلم في بعض الحالات - خوفا من الوقوع في ترك غيره من الواجبات أو المستحبات.
وننصحك بقراءة كتاب [تلبيس إبليس] لابن الجوزي ؛ فإنه عني بالكتابة في هذا الموضوع، ونرجو أن ينفعك الله بقراءته.
وأما الاكتفاء بسماع الأشرطة في التعلم، فالأولى لطالب العلم أن لا يقتصر على ذلك، إلا إذا تعذر عليه الطلب المباشر، فمما لا شك فيه أن المباشرة أفضل وأتم لكثرة ما يستفيده من شيخه في ما أشكل عليه، وكذلك في اكتسابه الهدي والأدب من مجالسته للعلماء، مما هو مفقود في هذه الوسائل التعليمية.
ولذا كان السلف يعيبون على الصُحُفي، أي: الذي يأخذ العلم من الكتب - ومثلها الأشرطة في زماننا - دون العلماء والمشايخ، ولذا قالوا: من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه. فالأولى لطالب العلم أن يجمع بين الأمرين ليحصل على الكمال والخير.
والله أعلم.