خلاصة الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالدين الإسلامي قد عالج مشكلة الغلاء، وتنوعت في علاجها أساليبه وخطاباته. من ذلك وجوب إنظار المعسرين والترغيب في التصدق عليهم. قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.
ومنه حث الشارع الحكيم على السماحة في البيع والاشتراء والاقتضاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى". والحديث في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ومنه النهي عن الاحتكار وتربص أوقات الغلاء، فقد جاء في صحيح مسلم: أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر فهو خاطئ. قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم (من احتكر فهو خاطئ) وفي رواية(لا يحتكر إلا خاطئ) قال أهل اللغة الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم. وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. قال أصحابنا الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه. اهـ
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إيمان المرء لا يكمل إلا بحبه للمسلمين ما يحبه لنفسه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يجب لنفسه". متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.
وليس الترغيب في السماحة مقتصرا على البائع والدائن فحسب، بل هو للمدين أيضا. روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم قال: أعطوه سنا مثل سنه، قالوا: يا رسول الله إنا لا نجد إلا أمثل من سنه، فقال: أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء.
فإذا أحسن الدعاة في توجيه الناس إلى مثل هذه الدروس، فإنه لا يستبعد أن يكون في ذلك مساهمة إلى تذليل أزمات الغلاء.
والله أعلم.