الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن العقوبة في الإسلام تنقسم إلى قسمين :
الأولى : عقوبة مقدرة شرعا كالحدود. والثانية : عقوبة غير مقدرة شرعا وهو ما يسميه الفقهاء بالتعزير.
والتعزير ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، فمن أدلة الكتاب : قول الله تعالى في علاج نشوز النساء : وَاضْرِبُوهُنَّ {النساء:34} قال ابن الهمام في كتابه فتح القدير: أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا. اهـ.
ومن أدلة السنة على مشروعية التعزير قول النبي صلى الله عليه وسلم : لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. ومعنى (لي الواجد) مماطلة الغني في سداد ما عليه من دين . وأما دليل الإجماع فقد قال الزيلعي في كتابه تبيين الحقائق : واجتمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد، أو جناية لا توجب الحد. ثم هو قد يكون بالحبس، وقد يكون بالصفع وبتعريك الآذان، وقد يكون بالكلام العنيف. اهـ.
والإقامة الجبرية جائزة في أصلها إن حكم بها عدل ووجد موجبها ، فهي نوع من التعزير بالحبس ، وقد ذكر الفقهاء في كتبهم الحبس كعقوبة تعزيرية ، ومن ذلك ما ورد في كلام الزيلعي السابق . وفي كتاب مواهب الجليل، وهو في الفقه المالكي : قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والتهمة حتى أن أهله ليتمنون له الموت من طول السجن، فإن لم يتهم وكان مجهول الحال حبس اليوم واليومين والثلاثة، وإن لم يتهم وكان معروفا بالصلاح لم يحبس ولو يوما واحدا. اهـ.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في كتابه أسنى المطالب وهو في الفقه الشافعي : ويحصل التعزير بحبس أو جلد أو صفع أو توبيخ بكلام أو فعل كنفي أو نحوها. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية: وإذا ظفر بهذا الذي آوى المحدث فإنه يطلب منه إحضاره أو الإعلام به، فإن امتنع عوقب بالحبس والضرب مرة بعد مرة حتى يمكن من ذلك المحدث.اهـ.
وفي كتاب الفروع لابن مفلح وهو في الفقه الحنبلي: ويحبس المستور حتى يبين أمره.اهـ.
ما روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه. وقد بوب عليه الترمذي : باب ما جاء في الحبس في التهمة .
وروى أبو داود في سننه الحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم : لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. ثم قال أبو داود : قال ابن المبارك : يحل عرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له. وعقد عليه أبو داود بابا سماه : ( باب في الحبس في الدين وغيره ).
والله أعلم.