الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأبو بكر -رضي الله عنه- قد قاتل مانعي الزكاة بإجماع من الصحابة -رضي الله عنهم-. والإجماع حق مقطوع به في دين الله عز وجل، وأصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر الشريعة. قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: الإجماع حجة مقطوع عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ. انظر العدة 4/1058.
ولسنا بهذا نعني أن الإجماع مقدم على نصوص الوحي من كتاب أو سنة، بل إن الإجماع مستمد من الكتاب والسنة، وتال لهما في المنزلة. وإنما نعني أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل المصلين ليس على إطلاقه بدليل قتل المرتد ولو لم يترك الصلاة.
وبدليل قتل المصلي قصاصا، أو قتله حدا إذا زنى وهو محصن، أو إذا بغى أو حارب، ونحو ذلك من الأمور الكثيرة التي ورد الحد فيها بالقتل، دون النظر فيما إذا كان المقام عليه الحد مصليا أو غير مصل.
وهذا التقييد للحديث هو الذي فهمه أبو بكر -رضي الله عنه- حين قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه.
وهو الذي فهمه عمر -رضي الله عنه- لما سمع كلام أبي بكر فقال: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. متفق عليه.