الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحواس هي الوظائف الموجودة في الجسم من إبصار وسمع وذوق وشم ولمس، والتي يتعرف المرء عن طريقها بما يجري حوله من أمور، وقال بعض الباحثين إن الإحساس بالحقيقة خارج إطار الحواس الخمس لا يحدث بطريقة خارقة، وأنه إنما يأتي نتيجة قيام الدماغ باختزان معلومات عديدة ومتنوعة عن الموضوع ذاته في أوقات وأزمنة مختلفة، وقال آخرون إن الحاسة السادسة هي القدرة على التوقع أو الشعور أو ما وراء النفس، وأنها تختلف من فرد لفرد، وأنها زائدة على الحواس الخمس.
وأما المسلمون فيسمون هذا النوع من الشعور فراسة، وقد قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف حيث قال لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حين استخلفه.
والفراسة أنواع منها:
1- فراسة إيمانية: سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب.
2- فراسة الرياضة: وهي تعتمد على تجرد النفس من العوالق، وتكون مشتركة بين المؤمن والكافر، جاء في مجموع الفتاوى: سئل ما الحكمة في أن المشتغلين بالذكر والفكر والرياضة ومجاهدة النفس وما أشبهه يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات وما سوى ذلك من الأحوال -مع قلة علمهم وجهل بعضهم- ما لا يفتح على المشتغلين بالعلم ودرسه؟
فقال بعد كلام طويل:.. وههنا -أصل آخر-: وهو أنه ليس كل عمل أورث كشوفاً أو تصرفاً في الكون يكون أفضل من العمل الذي لا يورث كشفاً وتصرفاً، فإن الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله وإلا كان من متاع الحياة الدنيا، وقد يحصل ذلك للكفار من المشركين وأهل الكتاب، وإن لم يحصل لأهل الإيمان الذين هم أهل الجنة، وأولئك أصحاب النار.
ففضائل الأعمال ودرجاتها لا تتلقى من مثل هذا، وإنما تتلقى من دلالة الكتاب والسنة، ولهذا كان كثير من الأعمال يحصل لصاحبه في الدنيا رئاسة ومال فأكرم الخلق عند الله أتقاهم.
وثمت أنواع أخرى من الفراسة... لكن ما يمتلكه عامة الناس من بين هذه الأنواع هو فراسة الرياضة التي تحدث عنها الكثير من الباحثين باسم الحاسة السادسة.
والله أعلم.