الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا من قبل أن الغناء أنواع، وأن منه ما يحل وما يحرم. ولك أن تراجع في تفصيل ما يحل من الغناء وما يحرم فتوانا رقم: 987.
ومن ذلك يتبين لك أن ما ذُكر من أمثلة الغناء الحلال: كتغني النساء لأطفالهن وتسليتهن، وتغني أصحاب الأعمال وأرباب المهن أثناء العمل للتخفيف عن متاعبهم والتعاون بينهم، والتغني في الفرح إشهارا له، والتغني في الأعياد إظهارا للسرور، والتغني للتنشيط للجهاد... أنها أمثلة من الغناء مباحة إذا لم تصحبها مزاميز، ولم تؤد إلى محرم.
وأما الاستدلال بحلية الغناء على إباحة بيع آلة الغناء وشرائها... فإنه مجانب للصواب تماما؛ لأن جميع ما ورد من الأدلة المقبولة ليس فيه ما يثبت حلية آلات الغناء، وقد بينا في الفتوى التي أشرنا إليها أن أهل العلم قد استثنوا الضرب بالدف، فأباحه كثير منهم للنساء في الأعياد ونحوها.
وأما ما ذكره من أنه قد صح عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسمعون الغناء والضرب على المعازف. وأن من الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر وغيرهما. ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وشريح القاضي، وعبد العزيز بن مسلمة مفتي المدينة وغيرهم... فإنه على تقدير صحته مرجوح إذا ما قورن بما ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.
وما حكي من إجماع على تحريم استماع المعازف، وممن حكى الإجماع على ذلك: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب وابن القيم وابن حجر الهيتمي...
وإذا تقرر ذلك علمت بطلان القول بحلية بيع آلة الغناء وشرائها.
وأما قوله: إن الغناء في الجاهلية كان بالشعر ومعظم شعراء الغزل بل وأشهرهم كعمر بن أبي ربيعة يستدل الفقهاء والنحويون بشعرهم ويعتمدونه في مسائل اللغة، فكيف يعتمدون على شيء محرم؟ فجوابه من جهةٍ، أن هذا الأمر لا علاقة له بحلية الغناء أو تحريمه. ومن جهة أخرى فإنه لا أحد ينكر أن الشعر العربي يعتبر مصدرا أساسيا من مصادر اللغة العربية. والاستدلال به في المعجم اللغوي، أو الصيغ الصرفية والأوزان، أو القواعد النحوية، أو غير ذلك مما يتعلق بأمر اللغة ليس فيه من حرج، ولا علاقة له بالأحكام الشرعية.
والله أعلم.