الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وفي موضع قال : إن كان يمشي فيه فلا ينثني فلا بأس بالمسح عليه فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء ....... قال أحمد : يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن المنذر : ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وعمار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى وسهل بن سعد، وبه قال عطاء والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وسعيد بن جبير والأعمش والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك وإسحاق و يعقوب و محمد. وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ومجاهد وعمرو بن دينار و الحسن بن مسلم والشافعي : لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين . ولنا : ما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين فإنه لا يقال مسحت على الخف ونعله . ولأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا ولأنه ساتر لمحل الفرض يثبت في القدم فجاز المسح عليه كالنعل . وقولهم : لا يمكن متابعة المشي فيه قلنا : لا يجوز المسح عليه إلا أن يكون مما يثبت بنفسه ويمكن متابعة المشي فيه وأما الرقيق فليس بساتر.... إنتهى
وعلى هذا فإذا كان الجورب المصنوع من القماش ثخينا يثبت بنفسه وأمكن للابسه المشي به فإنه يجوز المسح عليه في مذهب الحنابلة ‘ وأما إن كان شفافا أولا يمكن المشي به فإنه لا يجوز المسح عليه عند أصحاب المذاهب الأربعة. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز المسح على الجورب حتى ولو لم يثبت بنفسه بل بخيط ونحوه ‘ قال رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى: وهذا الشرط ( أي أن يثبت بنفسه ) لا أصل له في كلام أحمد ، بل المنصوص عنه في غير موضع أنه يجوز المسح على الجوربين ، وإن لم يثبتا بأنفسهما ، بل بنعلين تحتهما ، وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين .
فإذا كان أحمد لا يشترط في الجوربين أن يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما بغيرهما بطريق الأولى ، وهنا قد ثبتا بالنعلين وهما منفصلين عن الجوربين ، فإذا ثبت الجوربان بشدهما بخيوطهما كان المسح عليهما أولى بالجواز ... انتهى.
والجورب الرقيق الذي يصف البشرة لا يمسح عليه على الصحيح من مذهب الحنابلة قال في الإنصاف : ومنها : أن لا يصف القدم لصفائه فلو وصفه لم يصح على الصحيح من المذهب .... وقيل يجوز المسح عليه . انتهى
وبهذا يعلم الأخ السائل أن إطلاق القول بأن الجورب القماش لا يمسح عليه غير صحيح فالمسألة فيها تفصيل لا ينبغي إهماله في الفتوى .