الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أوصاك به هذا الرجل من شراء الكاميرا هو عبارة عن عقد وكالة، وهذه الوكالة ما لم تتفقا فيها مسبقا على أجر أو كان العرف جاريا بأن مثل هذا النوع من الوكالات لا يتم إلا بأجر فالأصل فيها أنها تبرع لا يجوز لك أن تأخذ مقابلها شيئا إلا أن يعطيك الرجل شيئا من نفسه على سبيل الهبة.
وفي هذه الحالة -أي حالة الهبة- إذا كنت قد بينت للرجل أنك قد ربحت فيها ووافق على ذلك فهل يعتبر مقدار هذا الربح الذي لم تحدده له هبة منه ولا يؤثر على صحتها جهله به ؟
في ذلك خلاف بين الفقهاء حيث اختلفوا في تأثير الغرر أي جهل مقدار الهبة وهل يمكن أن تحصل أم لا،على عقد الهبة، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الغرر يمنع صحة عقد الهبة، كما يمنع صحة البيع، يدل لذلك أنهم اشترطوا في الموهوب ما اشترطوه في المبيع.
وذهب المالكية إلى أن الغرر لا تأثير له في صحة عقد الهبة، قال ابن رشد: "ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود، وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر".
وقد علل لذلك الإمام القرافي فقال: فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه، فإنه لم يبذل شيئا، بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه، أما الإحسان الصرف فلا ضرر فيه، فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول، فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله.
والراجح لدينا هو مذهب المالكية لقوة مأخذه.
وفي حالة كون العرف جاريا بأن هذه الوكالة بأجر فلابد من تحديد الأجر مسبقا وإذا لم يتم تحديده كان لك أجر المثل كما هو الشأن في كل الإجارات الفاسدة.
وفي هذه الحالة إذا تبين بعد عرض الأمر على أهل الخبرة أن ما أخذت زائدا على الثمن الفعلي للكاميرا هو أجر المثل فلا حرج فيما أخذت ولا يلزمك رد شيء منه وإن تبين أنه أكثر فعليك أن ترد الزائد وإن كان أقل فلك أن تطالب بالزيادة.
وننبهك إلى أن البطارية الإضافية أو الحقيبة ونحوها من الإضافات إذا كانت هدية مع الكاميرا فإنه لا يحق لك أن تبيعها للرجل وعليك أن ترد ثمنها إليه لأنها تابعة للكاميرا التي اشتريت بماله وأنت مجرد وكيل عنه.
والله أعلم.