الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل البياض والسواد الذي يحصل يوم القيامة سببه ما يحصل للمؤمنين من الفرح والسرور بما أعطاهم الله تعالى، وما يحصل للفجار من الكفار والمبتدعة من الاكتئاب والهم والحزن حيث بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فمن يفرح في العادة تظهر أمارات السرور والفرح على وجهه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر. كما في حديث البخاري.
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجاهلية إذا أتاهم ما لا يسرهم حصوله من الأولاد وهو البنات ظهر السواد على وجوههم، كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ {النحل:58}، وأخبر تعالى عن وجوه أهل الجنة أنها ناضرة، وأخبر عن وجوه الكفار أنها مسودة باسرة، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة ٌ {القيامة}، وقال تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ {المطففين:24}، وقال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ {الزمر:60}.
هذا وننبه إلى أن بياض الوجوه في الآخرة وسوادها لا تعلق له بألوان الناس في الدنيا، فالتفاضل في الدنيا والآخرة بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}، كما ننبه إلى أن اللون الأبيض مفضل في اللباس على الأسود، مع أن الأسود جائز كما يدل له الحديث: البسوا من ثيابكم البياض فإنه خير ثيابكم. رواه الترمذي وأبو داود.
والله أعلم.