خلاصة الفتوى:
تب توبة صادقة واستر نفسك واحرص على الأعمال الصالحة والخصال الموجبة للحصول على الظل يوم القيامة، واعلم أن من تاب الله عليه يسلمه من آثار المعاصي، وأما الشباب فنهايته ثلاثون سنة، وأما التوبة فمقبولة حتى تصل الروح الحلقوم، ولم يثبت في نصوص الوحي أن العاصي يعاقب بوقوع أهله في المعاصي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعليك بالتوبة والحرص على البر والتقوى والإكثار من العمل الصالح، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{النور: 31}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً{التحريم:8}. وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54}.
واعلم أخي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.{الفرقان:68-69-70}.
وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وإن من أعظم الزواجر عن انتهاك حرمات الآخرين بالاعتداء على بناتهم وأخواتهم وسائر محارمهم، أن المرء لا يرضى بذلك لنفسه، إذ يأبى الطبع السليم والفطرة المستقيمة أن يعتدي أحد على محارمه بالقول أو بالفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . متفق عليه.
ولما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . رواه أحمد في المسند وهو حديث صحيح.
ولم يثبت أن الله تعالى يعاقب المرء بجنس فعله في الدنيا بأن تقع زوجته في السوء، وما ورد في الحديث: عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم . ضعفه الذهبي والألباني وغيرهما.
ومن الخصال الموجبة لظل الله أيضا إنظار المعسر أو التجاوز عنه فإنه من أسباب عفو الله عن العبد والتجاوز عنه يوم القيامة، وصاحبه ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله. رواه مسلم.
وثبتت أحاديث في خصال أخرى فعن عبد الله بن سهل بن حنيف عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان مجاهدا في سبيل الله، أو غارما في عسرته، أو مكاتبا في رقبته، أظله الله يوم لا ظل إلا ظله.
قال السيوطي: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد. انتهى
وراجع كتاب السيوطي المسمى: تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش للاطلاع على المزيد من تلك الخصال .
وراجع الفتوى رقم: 64396، والفتوى رقم: 60384.
والله أعلم.