الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما قام به عمر رضي الله عنه من جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد سنة لأنه أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلا عن ابن بطال. وصلاة عمر للتراويح في بيته اجتهاد منه بأفضلية ذلك فكان يقوى عليه، وقد ثبت هذا عن جماعة من السلف ففي المدونة: قال: وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته ؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي، وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك. انتهى
كما قد جاء عن عمر أيضا أنه كان يصلى مع الجماعة، والجمهور على أفضلية ذلك.
قال ابن قدامة في المغنى وهو حنبلى:
والمختار عند أبي عبد الله، فعلها في الجماعة، قال، في رواية يوسف بن موسى: الجماعة في التراويح أفضل، وإن كان رجل يقتدى به، فصلاها في بيته، خفت أن يقتدي الناس به. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالخلفاء. وقد جاء عن عمر أنه كان يصلي في الجماعة. وبهذا قال المزني، وابن عبد الحكم، وجماعة من أصحاب أبي حنيفة، قال أحمد: كان جابر، وعلي وعبد الله يصلونها في جماعة. قال الطحاوي: كل من اختار التفرد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا. وروي نحو هذا عن الليث بن سعد. وقال مالك، والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا. انتهى
وقال النووي في المجموع وهو شافعي:
فصلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة، وأيهما أفضل ؟ فيه وجهان مشهوران كما ذكر المصنف، وحكاهما جماعة قولين ( الصحيح ) باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل، وهو المنصوص في البويطي، وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين. انتهى
وفي مجمع الأنهر الحنفي:
(بجماعة ) أي إقامتها بالجماعة سنة، فمن ترك التراويح بالجماعة وصلاها في البيت فقد أساء عند بعضهم، فالصحيح أن إقامتها بالجماعة سنة على وجه الكفاية حتى لو ترك أهل المسجد كلهم الجماعة أساءوا وأثموا، ولو أقامها البعض فالمتخلف عنها تارك الفضيلة، وإن صلاها بالجماعة في البيت فقد حاز إحدى الفضيلتين وهي فضيلة الجماعة دون فضيلة الجماعة في المسجد. انتهى
وفي شرح الخرشي على مختصر خليل المالكي:
والجماعة فيها مستحبة لاستمرار العمل على الجمع من زمن عمر، والانفراد فيها طلبا للسلامة من الرياء أفضل، والمراد بالانفراد فيها فعلها في البيوت ولو جماعة هذا إن لم تعطل المساجد فإن خيف من الانفراد في التراويح التعطيل فالمساجد أفضل. انتهى.
والله أعلم.