الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العصبية والاكتئاب بسبب فوات التخصص المرغوب

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة عمري 17 عاماً، أهم صفاتي الخجل الشديد والحساسية المفرطة، وقلبي طيب وأحب الخير، لكني عصبية قليلاً، منذ كنت في الابتدائية وأنا متفوقة في اللغات، أشارك في القسم وعلاماتي متفوقة، حيث أني في شهادة التعليم المتوسط تحصلت على 18/20 في الفرنسية و19.5/20 في الإنجليزية و16.5/20 في الأدب العربي.

وعندما انتقلت إلى الثانوية اخترت شعبة الآداب وكنت متفوقة في السنة الأولى ولله الحمد، حيث تربعت على عرش القسمين الأدبيين، وهناك شعبة أخرى اسمها شعبة الآداب واللغات الأجنبية، فبطبيعة الحال وددت كثيراً دراستها ولكنها غير موجودة في الثانوية التي أدرس بها، هي موجودة في ثانويات أخرى في مدينة تبعد عن مدينتنا 14 كلم، وأردت الانتقال لها لكن أمي وأبي وأخواتي لم يوافقوني، وقالوا أنني سأعاني كثيراً من عدم التأقلم مع الأساتذة الجدد والتلاميذ، وكذلك المواصلات اليومية خاصة في الشتاء والحر الشديد، فوافقتهم في هذا لكنني أردت كثيراً دراسة هذه الشعبة، وأحياناً أجهش بالبكاء لحسرتي.

الآن أدرس في شعبة الآداب والفلسفة، وأنا خائفة من الفلسفة لأنها مادة أساسية ومعاملها كبير (6)، وأخاف أن أتراجع ولا أكون الأولى مثل العام الماضي، ومنذ هذا المشكل أصبحت عصبية، خاصة مع أمي، وأندم كثيراً مباشرة وأشفق عليها وأرغب في البكاء، أنا فعلاً متعبة وأريد أن أرتاح جسدياً ونفسياً.
أرجوكم ساعدوني وانصحوني وأرشدوني إلى الصواب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أشواق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فليس هناك مشكلة أساسية خاصة من المنظور النفسي، أعني أنك متميزة ومتفوقة وصاحبة قدرات ولله الحمد، وكل هذه ميزات إيجابية، أما ما ذكرته من صفات الحساسية المفرطة وأنك عصبية قليلاً، فكل إنسان لا يخلو من ذلك، والمراحل العمرية تحتم على الإنسان نمطا معينا من السلوك، ففي مثل عمرك يكون هناك مزيج من الطاقات النفسية والوجدانية، فأنت في مرحلة من مراحل التطور والارتقاء من الناحية النفسية والجسدية والبيولوجية.

وهناك طاقات نفسية كثيراً ما تكون هذه الطاقات غير متجانسة، والقلق ربما يكون مسيطراً، وأنا أقول لك إن القلق يمكن أن يوجه وأن يكون قلقاً إيجابياً، وأعني بذلك أن تستفيدي منه من أجل المزيد من الدافعية والجهد وبناء الرغبة، وأنا أعتقد أن القلق الذي لديك هو الذي ساعدك كثيراً في هذه النجاحات الكثيرة التي حدثت لك، وذلك بالطبع بعد اجتهادك، وقبل هذا كله بتوفيق الله.

في كثير من الأحيان تكون أحكامنا على أنفسنا خاطئة، فقد نحكم على أنفسنا بالخجل أو بالحساسية، وتكون المشاعر هي المسيطرة ولكن حين ننظر إلى الأفعال بدقة واستبصار نرى أن أفعالنا لا تشير إلى ذلك أبداً، وأعتقد أن هذا ينطبق عليك.

ما وصفته بالخجل الشديد هو نوع من التأدب، نوع من الحياء في رأيي، وهذا جيد ومرغوب، فقط أنا أنصحك بأن تطوري من مهاراتك الاجتماعية بأن تكوني محاورة، افرضي وجودك داخل الأسرة، حين تسلمي على الناس حييهم بتحية طيبة، انظري إلى زميلاتك وصديقاتك في وجوههم، لا تكوني مستمعة دائماً، خذي مبادرات، وهكذا، وهذا في رأيي يكون كافيا جدّاً.

بالنسبة للحساسية الداخلية المفرطة وعدم تقبل الانتقاد، هذه حقيقة تعالج بأن يفرغ الإنسان ما بداخل نفسه، حاولي أن تكوني معبرة عن نفسك، وفي نفس الوقت ذكري نفسك دائماً أن الإنسان لا يستطيع أن يسيطر على الآخرين ويفرض عليهم طريقة معينة للتعامل معه.

أعتقد أن هذا منطق سليم جدّاً، وهو ألا أحاول أن أفرض قيمي الذاتية على الآخرين، الناس تختلف في طريقة تعاملهم، فهنالك من يقدر مشاعر الآخرين، وهنالك من لا يقدرها، وهكذا، فإذن لا داعي أبداً للحساسية، وحاولي أن تعبري عن مشاعرك.

وبالنسبة لانزعاجك الآن حول دراسة الآداب والفلسفة، فأنا أعتقد أنك إنسانة مجيدة ومتفوقة، والإنسان المجيد والمتفوق يستطيع أن يتفوق في كل شيء.
الرغبة: نعم يجب أن نقدرها ونحترمها، ولكن ما ساقه والداك من أسباب أعتقد أنه منطقي جدّاً، أن تجهدي نفسك وتسافري هذه المسافات الطويلة أعتقد أن ذلك سوف يقلل جدّاً من طاقاتك النفسية والجسدية، ربما يكون هناك حماس في بدايات الأمر، ولكن بعد ذلك أعتقد أن هذا الحماس سوف يفتر، وسوف تواجهين حقيقة أنك أضعت وقتاً كبيراً جدّاً في الحضور والذهاب إلى هذه المدرسة البعيدة.

من أهم الأشياء التي تؤمن التعليم الناجح للطالب الناجح من أمثالك هو السكن المريح وقُرب المدرسة من المنزل، أعتقد أن هذه عوامل مهمة جدّاً، وأنا في رأيي يجب أن تتواءمي مع وضعك الجديد، وأنا مستبشر جدّاً أنك إن شاء الله سوف تتفوقين، والفلسفة حقيقة من العلوم الممتعة جدّاً، ومن الواضح أنك إنسان يميل إلى التفكير ولا تأخذي الأمور ببساطة، وأعتقد أن هنالك مجال كبير جدّاً لك لأن توسعي من آفاقك.

ليس هنالك ما يدعوك أبداً للبكاء، فأنت بخير وعلى خير، ولا شك أن العصبية حيال الوالدة ليس أمراً مقبولاً، فوالدتك لا شك أنها تحبك ولا شك أنها تريد كل الخير لك، فحاولي أن تتعاملي معها بلطف وبأناة، وعبري عن ذاتك، لا ندعوك بالطبع إلى الكتمان، ولكن لابد أن يكون هنالك ضوابط واحترام للوالدين لا شك أنه أمر ضروري، وأنا أعرف أنك متفهمة ذلك تماماً.

أنصحك بأن تمارسي أي نوع من الرياضة تناسب الفتاة المسلمة؛ لأن الرياضة تحرق طاقات الغضب وتساعد الإنسان على الاسترخاء وعلى الراحة النفسية، وتقلل إن شاء الله من هذه الحساسية المفرطة التي تعانين منها.

لا شك أن لديك المقدرة على ترتيب وقتك، وإدارة الزمن مطلوبة، فيجب أن تأخذي قسطا كافيا من الراحة، مارسي شيئاً من الرياضة كما ذكرنا لك، يجب أن تكون لك بعض القراءات غير الأكاديمية، شاهدي التلفزيون خاصة البرامج الهادفة والجيدة، خصصي لنفسك وردا يومياً من القرآن، ولا شك أنك محافظة على صلواتك، وعليك بالدعاء، ومن جانبنا نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونسأل الله أن نرى عالمة متميزة في الآداب والفلسفة، وونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً