الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مترددة في القبول بخطبة شاب لا يصلي الفجر ويستمع الغناء.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 28 عاماً، تقدم كثيرون لخطبتي أثناء دراستي، وكنا نرفض ذلك لإكمال الدراسة أو لعدم تفكيرنا في الزواج، وقد انتهيت من دراستي ولله الحمد، والأفضل من هذا أن الله جل وعلا من علي بالالتزام بعد أن ضاع الكثير من عمري في البعد عنه، أسأل الله أن يغفر لي ما مضى ويثبتني على الحق.

وقد التحقت بمعهد لإعداد الدعاة، وأسأل الله أن يرزقني شرف الدعوة في سبيله، والآن أحمد الله أنني لم أتزوج قبل ذلك، فرب ضارة نافعة، صحيح أني دخلت مرحلة العنوسة ولكن مقاييس اختيار الزوج اختلفت لدي كثيراً.

وفي هذه الأيام تقدم لخطبتي شاب يعمل في إحدى الدول العربية، وجرت بيننا بعض المحادثات التليفونية للتعرف، وذلك عن طريق الأهل، ولكني قطعتها خوفاً من أن يكون هذا حراماً، واتفقت مع أهلي أن نؤجل كل شيء حتى يأتي، ولكن ما يؤرقني أنه سيقطن بمكان لا أتخيل أن أمضي بقية عمري به، وأخشى أن أنقم على ما أنا فيه بعد ذلك.

والمشكلة أيضاً أن مستواه الاجتماعي أقل منا قليلاً، وهذا لا يمثل فارقاً معي، ولكني أخشى أن أكون مطالبة منه ومن أسرته بأشياء لم أتعودها في منزل أهلي وعادات مختلفة كل الاختلاف عنا، وأعرف أن الأساس في الاختيار الدين والخلق، ولكني استنتجت من خلال إحدى المكالمات معه أنه ربما لا يكون يصلي الفجر وربما يستمع الغناء.

وأرجو من الله زوجاً يعينني على الاستقامة، فأنا في بداية الطريق، وأريد من يرفعني معه، ولكني أخشى إن رفضته أن يكون ذلك بسبب أني لا أحب المكان الذي سيسكن فيه، وأقول لنفسي: أتخدعين الله؟ لو كان هذا من مكان آخر أكنت سترفضين؟ ولم أوضع في هذا الموقف من قبل، وكل من تقدموا لي لم يكن لدي استعداد للارتباط بهم، فلم يوضعوا في هذا التقييم أصلاً، وأخشى أن يكون ذلك نعمة من الله يحاسبني على رفضها، وأخشى أن أكون أخدع الله ونفسي بحجة الالتزام لكي أرفضه، ثم إذا أتاني غيره أقبله، خصوصاً وأن أهلي لا يضعون الالتزام شرطاً، وبإمكانهم أن يوافقوا عليه، فماذا أفعل؟!

أفيدوني ولكم جزيل الشكر والامتنان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عابدة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يجعلك من العالمات العابدات الداعيات، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عوناً لك على طاعته ورضاه وتؤسسين معه أسرة مسلمة راقية تخدم الإسلام وترفع رايته في كل مكان.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن الله الجليل جل جلاله سبحانه قد أمرنا على لسان نبيه محمد صلوات ربي وسلامه عليه باختيار الزوج الذي تتوافر فيه شروط الكفاءة، وأقصد بالكفاءة أولاً الكفاءة الشرعية وهذا ما عناه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، ولابد أن يكون لديه قدرة مادية يستطيع أن يؤسس بها أسرة وأن ينفق عليها وأن يجعلها ليست في حاجة إلى شيء آخر، وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام عندما ناشد الشباب قائلاً: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فإن العلماء نصوا على أن الباءة المراد بها القدرة البدنية والقدرة المالية أيضاً؛ لأن المرأة إذا عاشت في ظل رجل ليست لديه القدرة على الإنفاق ضاعت وضاع عيالها معها، حتى وإن كان من الصالحين.

ورغم أن الأرزاق بيد الله تعالى ولكن الله جعل لكل شيء سبباً، ونحن لا نطالب بأن يكون الإنفاق ببذخ وإسراف وإنما بالتوسط، هذه الحياة الوسط هي المطلوبة.

وأما ما يتعلق بالسكن فإذا كان المكان غير مناسب من وجهة نظرك فمن حقك أن ترفضي؛ لأن الاستقرار النفسي يترتب عليه الاستقرار الإيماني والاستقرار الأخلاقي والعاطفي، وكون الإنسان يعيش في مكان لا يحبه ولا يرضاه ولا يألفه سيكون متوتراً، وبالتالي ستكون كلماته فيها شيء من الحدة أو الشدة، ولن يكون قادراً على أن يؤدي دوره على الوجه الأكمل الصحيح.

وأما كون الشاب لا يصلي الفجر ويسمع الأغاني فمعناه أنه قد يكون مقصراً أو ملتزماً بطريقة غير كاملة، وإنما قد يصلي وقد يلتحي أحياناً ولكن أخلاقه لم تتغير لأنه لم يقرأ كتاباً ولم يجلس إلى عالم، فتظل أخلاقه أخلاق العوام حتى وإن كان قد أطلق لحيته أو حافظ على الصلاة، وهذه مشاكل نعاني منها كثيراً (الالتزام الظاهر)، وأما لو منَّ الله عليه بطلب العلم الشرعي ومنَّ عليه بالاستقامة الحقيقية ومجالسة العلماء وحضور المحاضرات والتعلم فإنه يتحسن حاله وينتقل من حال كونه رجلاً من الجهلة أو العوام إلى طالب علم على الأقل يستطيع أن يعامل الناس بما يرضي الله تعالى.

ولذلك فأنت بالخيار؛ لأن هذا العرض في عمومه ليس بعرض جيد، ورفضك إياه حتى وإن كان من أجل السكن فإنه رفض معقول، فإن الله تبارك وتعالى يقول: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، والرجل ليس بصاحب علم أو صاحب إيمان كبير حتى نقول بأنك رفضته لأن سكنه بعيد أو سكنه غير مناسب بالنسبة لك.

فاتركي الأمر لله واعتذري لهذا الشاب، واسألي الله تعالى أن يمنَّ عليك بأفضل منه، وألحي على الله بالدعاء، واعلمي أنه جل جلاله يُحب أن يُسأل، واعلمي أنه كذلك يُحب الملحين في الدعاء، وأنه لا يملَّ حتى يملّ العبد، كل ذلك أخبرنا به الحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقال أيضاً: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

فهذا العرض الموجود ليس في صالحك في العموم، واعلمي أن الله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فإذا كان لك من نصيب في زوج معين ولم يتقدم إليك إلى الآن فثقي وتأكدي أنه سوف يأتيك.

ومما تعلمناه في باب القدر أن نُسلم الأمر كله لله، وأن نرضى بما قسم الله لنا، وليس معنى الرضا بما قسم الله تعالى أنك تتخيرين شيئاً لا تستريحين له وتقولين سوف أجرب، فالتجربة في هذا الوضع مكلفة، وقد تعانين ظلماً وقهراً يستمر معك طيلة عمرك، لأنك تنازلت عن بعض الأمور التي كان من الممكن أن تطلبيها في الرجل الذي يتقدم إليك، وهذا منتشر وبيِّن واضح في كثير من الاستشارات التي يتم طرحها من أخوات فضليات تعجلن فكانت النتيجة أنها تعاني معاناة شديدة وتعامل معاملة قاسية وعنيفة، وما دمت تطلبين العلم بمعهد إعداد الدعاة وما دمت تحرصين على الحضور في الندوات والمحاضرات فلعل الله أن يمنَّ عليك بأخت فاضلة يكون لها أخاً أو يكون لها ولداً أو يكون لها قريباً يبحث عن امرأة صالحة فستجدي السبيل إليه بإذن الله تعالى عن طريق الصالحات والملتزمات وطالبات العلم من أخواتك.

فلا تتعجلي حتى لا تندمي، وتوجهي إلى الله بالدعاء، واعلمي أن الله لا يضيع أهله، وأنه جل جلاله قال: (( إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ))[الأنفال:29] وقال جل جلاله أيضاً: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3]، نسأل الله أن يغفر لنا ولك، وأن يتوب علينا وعليك، وأن يثبتنا جميعاً على الإيمان، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وتؤسسين معه أسرة صالحة مستقرة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً