الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية وأفكار تحمل طابع العنف والاعتداء

السؤال

في ليلة قبل عشرين عاماً استيقظت من النوم وأنا أرتجف وخائفة بشدة ولا أدري من ماذا؟! لكن في الصباح بقي معي خوف وقلق وتوتر ولا أدري ما بي، واستمر ذلك فترة ثم بدأت أفكار بأني سأقتل أمي أو أنتحر أو أقوم بعمل غريب مثل الصراخ أمام الناس، واستمر هذا معي سنوات، يختفي ثم يعود بعد ثلاث أو أربع سنوات، كل ذلك وأهلي يرفضون الذهاب إلى الطبيب النفسي بحجة الإدمان وما يذهب إليهم إلا المجنون.

بعد زواجي أصبحت الأفكار أني سأقتل أولادي، أصبحت عصبية ولا أستطيع أن أتحمل أولادي مع أني أتحمل أولاد الناس.

أصبحت أكره بيتي وأقضي أغلب الوقت عند أهلي، أحس أني في بيتي ممكن تزيد علي الأفكار لكن عند أهلي لا، كل الذين من حولي يعتبرونني طبيعية لكن أنا أحس العكس، أخاف من الأدوية النفسية لأني أسمع كثيراً عن أضرارها هل ينفع معي العلاج السلوكي؟ هذا المرض يأتي على نفس الشكل كل مرة أكون نائمة وأقوم خائفة ثم تبدأ الأفكار والوساوس، كل شيء يهون مع فكرة أني ممكن أؤذي أطفالي.

أرجوك ساعدني خائفة أفقد عقلي حتى أولادي لا أستطيع العيش معهم حياة الأم، دائماً أبعد عنهم وأعصب عليهم ولا أدري ما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى ثقتك فيما يقدمه هذا الموقع.

فقد أعطيت وصفاً مثالياً لنوع معين من الوساوس القهرية، وهذه الأفكار التي تقتحم مخيلتك نعرف أنها مؤلمة جدّاً من الناحية النفسية، الأفكار التي تحمل طابع العنف مثل الخوف من الاعتداء على الأبناء أو الزوج أو ارتكاب أي عمل مشين يكون طابعه العنف ويكون الضحية فيه من يُحب الشخص، هذا لا شك أنه مؤلم جدّاً، هذه هي طبيعة الوساوس، وهذه الوساوس تكون ذات طابع دوري، أي أنها تختفي وتأتي من وقت لآخر، وأنا أقول لك: بفضل الله تعالى أن الإنسان في مثل هذه الحالات لا يتبع وساوسه، ولكن في نفس الوقت هي مؤلمة وتمزق النفس الإنسانية لدرجة كبيرة، فيا أختي الفاضلة أنت محتاجة للعلاج، وأنا أقول لك أن العلاج الدوائي هو الأساسي في مثل حالتك، والعلاج السلوكي مفيد، ولكن ليس بفائدة كاملة؛ لأن البحوث العلمية أثبتت أن الوساوس القهرية خاصة النوع الفكري المعرفي الذي تكون فيه أفكار اجترارية متسلطة ومؤلمة، هذا النوع له أساس بيولوجي، أي أنه مرتبط باضطراب في بعض الموصلات أو الناقلات العصبية الموجودة بالمخ وعلى رأسها مادة تسمى بـ (سيروتونين Serotonin).

فإذن أيتها الفاضلة الكريمة لابد أن تقنعي نفسك بتناول الأدوية، وأنا أؤكد لك وبصفة قاطعة أن الأدوية التي تستعمل لعلاج الوساوس القهرية ليست إدمانية وهي سليمة وفعالة جدّاً.

أنت تحدثت عما يروج له البعض حول الأدوية النفسية والإدمان وأن أهلك كانوا يرفضون الذهاب إلى الطبيب النفسي خوفاً من هذه الوصمة. أنا لا أريدك أن تقعي في هذا الخطأ، يجب أن تستبصري، يجب أن تعطي لنفسك الفرصة، ويجب أن تستفيدي من هذه النعم، وفي هذه الحالة هي الأدوية النفسية السليمة.

الدواء الأفضل لحالتك هو العقار الذي يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، وجرعته هي خمسون مليجراماً ليلاً لمدة أسبوعين – يفضل تناولها بعد الأكل – ثم ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً وتستمري عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى مائتي مليجرام ليلاً وتستمري عليها لمدة شهر، ثم تضيفي دواء آخر يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) وتتناولينه بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراماً) في الصباح.

أي تكون الوصفة الدوائية المطلوبة في حالتك هي عشرين مليجراماً من البروزاك صباحاً، ومائتي مليجرام من الفافرين مساءً، ويجب أن تستمري على هذه الجرعة لمدة عام، هذه ليست مدة طويلة، والوساوس يعرف عنها أنها كثيراً ما تقاوم العلاج، خاصة إذا كان العلاج ضعيفاً أو لم يكن مكتملاً من ناحية المدة أو الجرعة.

وبعد انقضاء العام توقفي عن البروزاك واستمري على الفافرين بجرعة مائتي مليجرام لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة عام آخر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى خمسين مليجراماً ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا هو الذي أراه، ومن حقك أن تستمعي إلى آراء أطباء آخرين إذا رأيت ذلك مناسباً، والعلاج الدوائي يتميز بأنه سوف يجعلك مهيأة لقبول وتطبيق العلاج السلوكي، وقطعاً حين يمارس العلاج السلوكي ويتم تناول الدواء في نفس الوقت تكون النتائج رائعة ورائعة جدّاً.

من حقك أن تسعي لنفسك، ومن حقك أن تخرجي نفسك من هذه الآلام المفزعة، فأرجو ألا تحرمي نفسك من نعمة الدواء.

بالنسبة للعلاج السلوكي، نعم هو جيد ومفيد ويفضل بالطبع ممارسته تحت إشراف أحد المختصين، وبصورة مختصرة أقول لك أن مبدأ العلاج السلوكي يقوم على: التعريض مع منع الاستجابة، أي أن يعرض الإنسان نفسه لمصادر وساوسه، ولكنه يجب أن يحقرها ولا يتبعها ويحاول استبدالها بفكر مخالف أو بفعل مخالف، فأنت مثلاً يمكنك أن تكتبي كل هذه الأفكار الوسواسية، وابدئي بالوسواس الأول وفكري في هذه الفكرة الوسواسية بعمق وتركيز، ثم قولي لنفسك: (قف قف قف) خاطبيها بقوة كأنك تخاطبين الوساوس كي تقف، وهذا فيه إيقاف للفكرة، وقد وُجد أنه من العلاجات المفيدة.

التمرين الثاني هو أن تقرني الفكرة الوسواسية باستشعار مخالف، وهذا يسمى بالتعزيز السلبي، ومن الطرق البسيطة والميسرة هو أن تفكري في أحد هذه الوساوس وفي نفس الوقت قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تستشعرين ألماً شديداً، ويجب أن تكرري هذا التمرين عشر مرات على الأقل، والهدف هو الربط ما بين الفكرة الوسواسية والشعور أو التفاعل المنفر، وفي هذه الحالة هو إيقاع الألم على النفس.. هذه من التمارين الجيدة والمفيدة إذا طبقها الإنسان عن قناعة.

التمرين الثالث هو أن تفكري في الفكرة الوسواسية وبعد ذلك تدخلي فكرة مخالفة تماماً.

هنالك أيضاً من العلماء النفسيين الذين يمارسون بعض العلاجات السلوكية الأخرى، منها أن تفكري في الفكرة الوسواسية بتكرار وتكرار وتركيز حتى تشعرين بشيء من الإجهاد، هذه أيضاً قد تكون مفيدة وإن كان هنالك بعض الاختلاف بين الباحثين في جدوى هذه الطريقة.

عموماً أنا أؤكد لك أن الوساوس يمكن أن تعالج، وأن الدواء له أسبقية في حالتك، والتطبيقات السلوكية سوف تفيدك، وأنا متأكداً أن العلاج سوف يؤدي إلى تحسن كبير في حالتك.

عليك أن تستعيذي بالله العلي العظيم من هذه الوساوس، وألا تضيعي على نفسك فرصة العلاج.

ويمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول السنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003
والعلاج السلوكي للمخاوف: ( 262026 - 262698 - 263579 - 265121 ).
وكيفية الرقية الشرعية: (237993- 236492-247326)

وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً