الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس أصابتني جراء ذنوب وقعت فيها، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

حالتي بدأت بعد الثانوية العامة حينما درست في إحدى الجامعات وخرجت منها ودخلت دورة وتركتها، وجلست عاطلاً ترماً كاملاً، وفيها سافرت إلى سوريا مع شباب.

وتعرفون هناك المعاصي كثيرة جداً ولما رجعت أصابني وسواس عن الأمراض لدرجة أني ما ارتحت إلا بعد عمل تحليل دم، وبعدها أي أحد يتكلم عن مرض أحسه فيّ، ولكن هذه لم تدم طويلاً، بل مدة محددة وذهبت، وبعد ما دخلت الجامعة في أول ترم تكلمت مع أحد من زملائي عن بعض المواد، وقال لي: إن الدنيا ما فيها خير ولماذا تهتم؟!

وكذا بعدها رجعت الحالة لي ثانياً، يعني أشك في أي شيء لو أحد قال تاريخاً قدامي يأتيني إحساس أنه سيصيبني مكروه في هذا اليوم!

وأقعد أعد الأيام حتى يجيء هذا التاريخ، واستمرت الحالة معي إلى الآن، وصرت أكلم نفسي كثيراً لدرجة أن الناس لا حظوها علي الذي يقول لي: تكلم نفسك؟! وتطورت الآن إلى دعاء على النفس! غصباً عني لدرجة أني عندما أريد أصلي ما أقدر، وعندما أريد ألعب الكرة ما أقدر، ولا أسوي أي شيء.

أحس أني دعوت على نفسي، إن لعبت أو صليت أو كذا، وأحاول أستبدلها بأفكار بديلة، وحتى لما أريد أتعالج منها أحس أني أدعو على نفسي بالأدوية، وأنها سبب أنه يحصل لي شيء!

وكذا صارت تعطلني عن دراستي لكن أنا أحاول أقاومها، فأرجو أن تفيدوني بهذا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Kaisar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فقد أوضحت الأعراض التي تعاني منها بصورة واضحة وجلية، وأقول لك: إن حالتك هي حالة نفسية.

لا نسميها مرضاً نفسياً حقيقياً، وإنما هي نوع من الظواهر النفسية، وهي حالة نسميها بالقلق النفسي التوقعي، أي الإنسان يكون دائماً مشغولاً عمَّا سوف يحدث وما يحمل له المستقبل، والبعض يرى أن هذا النوع من القلق هو جزء من شخصية الإنسان، وقد يظهر هذا القلق بشدة أكثر لأي مؤثرات خارجية، فأنت لديك الميول والاستعداد للمخاوف المرضية، فحين يتحدث أحد عن المرض هذا يؤثر عليك ويزيد القلق لديك.

ثانياً: بدأت لديك بعض الوساوس، كل ما ذكرته في أنك تتكلم مع نفسك كثيراً وأصبحت تفسر الأمور بصورة وسواسية، هذا دليل أيضاً على وجود وساوس بسيطة، والوساوس حقيقة هي جزء من القلق.

لا تعتقد أنك تعاني من أمراض كثيرة متشعبة، كل الأمر يدور حول القلق وليس أكثر من ذلك، وحالتك بسيطة جدّاً، ولكن لا تستسلم ولا تستكين، فأنت نسبة لهذا القلق وهذه الوساوس بدأت تأخذ بمبدأ لا أستطيع، هذا مبدأ مرفوض تماماً، أنت تستطيع أن تصلي أنت تستطيع أن تدرس، أنت تستطيع أن تعمل، أنت تستطيع أن تغير كل ما بنفسك - أخي الكريم - .

أنا أخاف جدّاً من هذه الجملة (لا أستطيع)، يذكرها البعض ويلبس نفسه لباس الفشل، ويقبل بالدونية ويقلل من همته وهذا ليس بالصحيح.

قم بإعادة تقييم نفسك، قم بإعادة تقييم مقدراتك، وسوف تجد أنك تستطيع أن تقوم بأشياء كثيرة جدّاً، وحتى إن كنت تعتقد أنك لا تستطيع قل لنفسك: (لا بل أنا أستطيع، أنا بي روح ونفس وجسد ودم وأتنفس وأتكلم وأتحرك، فما الذي يمنعني من بقية الأشياء التي يقوم بها خلق الله تعالى؟!)

لا شيء يمنعك – أخِي – هذا تفكير سلبي وعليك أن تسبق التفكير بالأفعال، بمعنى أن تحتم أنك سوف تقوم بأداء ما هو مطلوب منك في الحياة وأن تسعى وأن تنجح، وأنصحك أن تجعل لنفسك برامج يومية وأن تجعل لنفسك هدفاً وسوف تصل إليه - إن شاء الله تعالى - .

إذن حقر هذه الأفكار السلبية - هذه الأفكار الوسواسية - حقرها واطردها من خيالك واستبدلها بالأفكار الإيجابية.

يأتي بعد ذلك أن أصف لك دواءً أرجو أن يفيدك، وأنا أعتقد أنه سوف يفيدك كثيراً، والدواء - بفضل الله تعالى - موجود في قطر، وهو يسمى تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة (خمسين مليجراماً) ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين (مائة مليجرام) وتناولها ليلاً واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وهذه هي الفترة الوقائية والتي سبقتها الفترة العلاجية - أي جرعة الحبتين في اليوم -.

الدواء من الأدوية السليمة، وهو يعالج القلق والتوتر والمخاوف وكذلك الوساوس، وإن شاء الله سوف يحسن من الدافعية لديك، ويشرح صدرك بإذن الله تعالى، ولكن الأهم من ذلك هو أن تجاهد نفسك وأن تدفع نفسك وألا تعطي للفشل أي فرصة، فالإنسان يمكن أن يعيش حياته بقوة ويعيش مستقبله بأمل ويعيش حاضره برجاء وبثبات، ويسعى دائماً لتطوير نفسه.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم الطبيب النفسي تليها إجابة الشيخ موافي عزب المستشار الشرعي لمزيد فائدة:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأن يرد إليك صحتك وعافيتك، وأن يجعلك من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين ومن سعداء الدنيا والآخرة.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنك عندما درست في إحدى الجامعات لكنك لم تواصل الدراسة ودخلت دورة وجلست عاطلاً ثم سافرت إلى سوريا وهناك حدثت بعض المعاصي الكثيرة، ثم لما رجعت أصابك وسواس لدرجة أنك قمت بعمل تحاليل، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ودخلت الجامعة، ولكن بعض الناس ما إن يتكلم أمامك إلا وتشعر بأنك سوف يحدث لك مكروه وتظل تعد الأيام إلى غير ذلك ودخلت في دوامة نفسية كبرى.

أحب أن أقول لك - أخي الكريم – وفقك الله: اعلم أن هذا الذي حدث بداية إنما هو من شؤم المعاصي التي وقعت فيها، فإن الطاعات لها نور والمعاصي لها ظلمة، ولو نظرت معي - بارك الله فيك – إلى تاريخ الإنسانية كلها وجدت أن الناس لا يسلبون النعم إلا بسبب المعاصي، يعني الإنسان لا يفقد الصحة ولا يفقد المال ولا يفقد الجمال ولا يفقد العقل ولا يفقد الأمن أو الأمان أو الاستقرار أو لا يدخل حتى القدرة على الحركة إلا بسبب المعاصي، ولذلك أبوك آدم عليه السلام خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه الأسماء كلها وأسكنه في جناته، ما الذي حدث؟ عندما خالف أمر الله تعالى وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها كانت النتيجة (( اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا))[البقرة:38]، ففقد آدم عليه السلام الجنة بسبب هذه المعصية التي في ظنك وظن كثير من الناس أنها بسيطة جدّاً.

كذلك إلى يومك هذا عندما تقرأ معي في القرآن الكريم تجد أن الله - تبارك وتعالى - ما عاقب أمة من الأمم ولا أباد حضارة من الحضارات ولا دمر شعباً من الشعوب ولا عاقب فرداً من الأفراد إلا بسبب المعاصي.

القرآن الكريم مليء حقيقة بهذه المواقف، بدءاً من قوم نوح عليه السلام كما تعلم عندما عصوا وتكبروا وبغوا دعا عليهم نوح عليه السلام فقال: (( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا))[نوح:26] فالله - تبارك وتعالى - عاقبهم جميعاً بسبب هذه المعاصي.

وإلى عاد أخاهم هوداً، وإلى ثمود أخاهم صالحاً، بل إن فرعون نفسه وقومه عاقبهم الله - تبارك وتعالى - بسبب هذه المعاصي التي أحدثوها مع موسى عليه السلام. ونفس النظام أيضاً عندما تقرأ: (( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ))[القصص:76]، بسبب هذا البغي (( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ))[القصص:81]. وفرعون عندما قال أنا ربكم الأعلى، وقال: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي))[الزخرف:51]، فأجراها الله - تبارك وتعالى - من فوقه.

نفس النظام قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف، عندما قال: (( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا))[الكهف:34] وقال كلاماً من كلام الكفر، وارتكب بعض الجرائم العقدية الكبيرة، فكانت النتيجة أن الله - تبارك وتعالى - بدد هذه الجنة تماماً وأزالها من الوجود وأصبح فقيراً فقراً مدقعاً لا يملك شيئاً.

إذن سبب تغير الحال إنما هو أن يتغير العبد مع الله تعالى، والحق جل جلاله يقول: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]، فما دمت أنت مستقيماً على منهج الله وحريصاً على طاعة الله وبعيداً عن معصية الله تأكد أن الله سيكون معك، وأن الله سيدفع عنك، وأن الله سيرزقك من فضله، وأن الله سيرفع شأنك، أما لو خالفت أمر الله تعالى فأنت تعرض نفسك لعقاب الله عز وجل، فهذه الحالات التي تعاني منها إنما هو بسبب المعاصي التي وقعت فيها في سوريا، ولذلك المطلوب منك أولاً - بارك الله فيك – أولاً وقبل كل شيء، أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً.

نعم أنت تقول: أنا الآن لا أفعل، مجرد عدم الفعل ليس توبة، وإنما لابد - بارك الله فيك – من داخل قلبك أن تقول: تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت على ألا أرجع لهذا الذنب بعد ذلك - إن شاء الله تعالى - . والتوبة هي: الإقلاع عن الذنب أولاً والتوقف عنه نهائياً.
ثانياً: الندم على فعل هذا الذنب.
ثالثاً: عقد العزم على ألا ترجع إليه أبداً.

فهذا - بارك الله فيك – هو المطلوب منك الآن: التوبة النصوح وأن يرى الله منك ذلك، وأن تكثر من التوبة والاستغفار، (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)، (رب اغفر لي وتب عليَّ)، وأن تعاهد الله تعالى ألا ترجع لهذه المعاصي أبداً، هذا هو الجزء الأساسي، لأنك إن تبت إلى الله تعالى من هذه الذنوب التي وقعت فإن الله - تبارك وتعالى - يحب التوابين ويحب المتطهرين، وسيفتح لك صفحة جديدة بوضع جديد.

ثانياً: احتمال كبير أن تكون أيضاً قد تعرضت أثناء المعاصي هذه إلى جني من الجن اعتدى عليك، نتيجة معصيتك لله تعالى، وقد يكون هذا الجني مؤمناً ينتقم منك لأنك عصيت الله تعالى، وقد يكون جنياً غير مؤمن، فهذا الكلام أيضاً يحتاج منك إلى رقية شرعية.

إذن يحتاج منك إلى التوبة أولاً، والتوبة النصوح، وأن تتوب توبة صادقة جادة، وأن تعاهد الله تعالى ألا تقع في هذا الذنب مهما كانت الأسباب والدواعي، ثانياً بعد ذلك أتمنى أن تذهب لبعض إخواننا المعالجين لعل الله - تبارك وتعالى - أن يعافيك من ذلك كله، ولكن قبل الرقية وقبل العلاج الدوائي وقبل العلاج النفساني لابد أن تتوب إلى الله تعالى؛ لأن ما حدث معك إنما هو بسبب المعاصي.

وثق وتأكد أنك إن تبت إلى الله تعالى فإن الله قادر أن يعافيك بإذنه عز وجل سواء أخذت الدواء أو لم تأخذ، ولكن بما أن الأخذ للدواء مطلوب شرعاً لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أمرك بذلك على لسان النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: (تداووا عباد الله ولا تتداووا بمحرم) فأنت تستمع إلى نصيحة أخيِ المستشار النفساني وهو يقدم لك العلاج السلوكي ويقدم لك العلاج الدوائي، فمع التوبة ومع الرقية ومع العلاج النفساني سوف تتحسن وتصبح - بإذن الله تعالى – في أحسن حال، وأوصيك بالمحافظة على الصلاة، ولا تقول: أنا لا أستطيع، فإن هذا من عمل الشيطان، أنت قادر، أنت الآن قادر على أن تأكل، وقادر على أن تشرب، وقادر على أن تخرج إلى الجامعة، وقادر على أن تذهب إلى السوق، فلماذا أنت غير قادر على أن تصلي ولماذا لست قادراً على أن تتوضأ، ولماذا أنت لست قادراً على أن تذاكر، هذا كله من عمل الشيطان، فالشيطان يلعب بك كلعب الأطفال بالكرة، فأرِ الله من نفسك خيراً، وإن شاء الله تعالى قاوم هذه الأفكار السلبية التي عندك، وكما ذكرت التوبة إلى الله والرقية الشرعية - بإذن الله تعالى – بل أنت تستطيع أن ترقي نفسك بنفسك.

وكم أتمنى أن تضيف إلى هذا البرنامج العلاجي أذكار الصباح وأذكار المساء يومياً، أذكار الصباح بعد الفجر وأذكار المساء قبل غروب الشمس - بارك الله فيك – حتى يحفظك الله - تبارك وتعالى - خاصة قول النبي - عليه الصلاة والسلام - : (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، وقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحاً ومائة مرة مساءً، وأنا واثق أنك ستتحسن تحسناً كاملاً، وتكون في أحسن حال - بإذن الله تعالى – وستعود إلى ما كنت عليه، وستكون من المتفوقين المتميزين وتنتهي من دراستك الجامعية على خير - بإذن الله تعالى - بمجموع متميز، ولعل الله أن يفتح عليك وتصبح من كبار علماء المسلمين.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وأن يعافيك من كل سوء، وأن يصرف عنك كل بلاء.

هذا وبالله التوفيق.

ولكيفية الرقية الشرعية يرجى مراجعة هذه الاستشارات: (237993- 236492-247326).

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً