الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري المتعلق بالجانب الديني والجنسي وعلاجه

السؤال

السلام عليكم.

لي أخ يبلغ من العمر 27 عاماً، وهو مصاب بالوسواس القهري، وقد بدأ ذلك عندما كان عمره ثلاثة عشر عاماً، حيث دخل صالة للألعاب الالكترونية (الأتاري)، وكان الصوت عاليا جداً فخاف وشعر بدوخة وأنه في حلم وعالم غريب، فبدأ يعيش حالة غريبة أبرزها الخوف.

وقد كان صغيرا ولم يدر ما به ثم علم فيما بعد أنه مصاب بالوسواس القهري، وذلك بعدما جاءته وساوس في الدين وفي أصدقائه، ووساوس جنسية وغير ذلك، وكان ذلك بعد ثلاث سنوات من الصدمة الأولى.

وقد راجع طبيباً نفسياً قبل ثلاث سنوات وما زال يراجعه، ويشعر منذ ست سنوات بما يشبه الخدر في الرأس، وتعب عام في الجسم يجعله يتثاقل عن الصلاة، ويشعر أن الله يعاقبه دائماً، وأن هناك قوة غريبة تحول بينه وبين الراحة والنجاح؛ لأنه كان ملتزما بالصلاة، فما رأيكم في حالته، وكيف أتعامل معه لكي أُخرجه مما يعاني؟ وهل من الممكن أن تكون هذه الوساوس شيئاً وراثيا؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الفارس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فيظهر أنه حينما كان في عمر السادسة عشرة تعرض لنوبة هرع وفزع شديدة، وهي نوع من القلق النفسي، وبعد ذلك تولدت لديه المخاوف والتي أعقبتها الوساوس القهرية، وقد أخذت الوساوس عدة مناحٍ كما ذكرتَ، فهي متعلقة بالجانب الديني والجانب الجنسي.

وقد لاحظت أيضاً أنه أصبح مهزوز الثقة في نفسه، وأصبح لديه شعور بالذنب، كما أنه أصبح لا يؤدي الصلوات كما هو مطلوب أو يتثاقل عن أداء الصلاة، وهذه الجزئية الأخيرة في رأيي هي ناتجة من نوع من الاكتئاب النفسي؛ لأن ستين بالمائة من مرضى الوساوس القهرية يعانون من اكتئاب نفسي ثانوي.

ولذلك فإن عليه أن يراجع الطبيب النفسي، وأنا على ثقة كاملة أن الطبيب سوف يقدم له المساعدة من إرشاد نفسي وعلاج سلوكي وعلاج دوائي.

ورغم أنك لم تذكر الأدوية التي وُصفت له إلا أن هذه الحالات تستجيب بصفة فعالة للعقار الذي يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac) ويعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) كعلاج رئيسي، وأيضاً عقار يعرف تجارياً باسم (رزبريدال Risporidal) ويعرف علمياً باسم (رزبريادون Risperidone) كعلاج مساعد ومساند للبروزاك.

وجرعة البروزاك المطلوبة في حالته هي أن يتناول كبسولة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة بعد ذلك إلى كبسولتين، وبعد شهر تُرفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات، ويستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك يبدأ في تخفيض جرعة البروزاك بمعدل كبسولة واحدة كل ثلاثة أشهر.

وأما بالنسبة للرزبريادون فيجب أن يبدأ في تناوله مع بداية تناول البروزاك، والجرعة التي يبدأ بها هو واحد مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم يرفع الجرعة إلى اثنين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم يخفض الجرعة إلى واحد مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى، فهذا مجرد اقتراح ويمكن مناقشة هذا الأمر مع طبيبه.

وهناك عدة أدوية بديلة، منها عقار يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، ومنها عقار يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) ويعرف علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، ومنها عقار يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، ومنها عقار يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، فكل هذه الأدوية أدوية فعالة ومفيدة، ولكن البروزاك يتميز بأنه قليل الآثار الجانبية، كما أنه يزيد من الطاقات الجسدية والطاقات النفسية.

وأما بالنسبة لمعاملة هذا الأخ فيجب أن يُشرح له حالته بكل دقة، ويعرف أن ذلك نوع من القلق النفسي وأنه غير مصاب بأمراض عقلية أو ذهانية، وحتى نخفف من شعوره بالقلق وشعوره بالذنب يجب أن يعرف أن الوساوس القهرية منتشرة، وهي نوع من القلق وتأتي للأشخاص الحساسين من أصحاب الضمائر الحية، ونعرف أن الوساوس ذات الطابع الديني كثيرة في منطقتنا، وهذا يدل على قوة الإيمان؛ لأن الشيطان يحاول دائماً أن يتدخل ويحاول أن يُبعد المسلم عن عقيدته وعن أداء واجباته الدينية المفروضة عليه.

ولذلك يجب أن ننبه هذا الأخ لهذا الأمر، ويجب أن يبتهج، وأن يرفع من همته، وأن لا يعطي للشيطان أي مجال، ومن الجميل أن تصطحبه معك إلى المسجد وأن تجعله يلتقي بالأخوة الصالحين والأخوة الأفاضل ويتخذهم قدوة، فهذه مساندة كبيرة وطريقة طيبة للتعامل.

وعليكم أن تعلموه كيف يحقر هذه الأفكار، وأن لا يعطيها أي قيمة، وكذلك يجب مساعدته في إدارة وقته، فلا شك أن لديه واجبات ومسئوليات، فيجب أن لا يعامل كإنسان معاق، بل على العكس تماماً يُساعد ونذكره بواجباته ويجب أن يشارككم في المناسبات الاجتماعية ويجب أن تأخذوا بيده وتشجعوه في كل هذه الأمور، ويجب أن يستشار في الأمور التي تتطلب الاستشارة لأن هذا سيشعره بقيمته الذاتية وأن الآخرين لا يتجاهلونه.

وأما بالنسبة لعامل الوراثة والوساوس والقهرية، فهذا الموضوع فيه الكثير من الخلاف، والشيء الثابت أن الوساوس القهرية ربما تجري في بعض الأسر، ولكن هذا ليس ناتجا من الوراثة المباشرة، إنما الذي قد يورث هو الاستعداد للوساوس، أي أن الإنسان إذا كان في أسرته يوجد أشخاص آخرين يعانون من الوساوس القهرية فهذا الشخص يكون لديه ميول واستعداد للوساوس إذا تكونت الظروف المهيأة لذلك، أو ما نسميه بـ (الظروف الحياتية المهيأة)، كأن يتعرض لموقف فيه ضغوط كثيرة، أو موقف لم يكن مريحاً بالنسبة له أو سبب له قلقاً شديداً، هذا الشخص ربما يكون أكثر قابلية من غيره للإصابة بالوساوس، فالأمر هو ميول إرثي وليس الإرث المباشر أو المطلق، فنستطيع أن نقول أن الأمر قريب من الإصابة بمرض السكر أو الضغط، فنعرف أن هناك أسر لها ميول أن تصاب بهذه الحالات، وتوجد أسر كثيرة لا تصاب بمثل هذه الحالات.

وختاما نشكرك كثيراً على اهتمامك بأمر أخيك، ويجب أن تقف بجانبه ويجب أن تسانده وتساعده، نسأل الله تعالى أن يكتب له الشفاء، وتقبل الله طاعاتكم في هذه الأيام الطيبة، وكل عام وأنتم بخير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً