الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الارتجاف وجفاف الريق في بعض المواقف الاجتماعية مع الناس

السؤال

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلدي أعراض كثيرة تدل أن عندي مرض الرهاب الاجتماعي، لكن لا أعاني منه إلا في أوقات وهي كالتالي:

1. عند تقديمي للصلاة بالناس الصلاة الجهرية ترتجف رجلاي ويداي - الساقان والذراعان - وتزداد ضربات القلب، ويجف الريق، ويثقل اللسان، ولا أكمل الفاتحة إلا بصعوبة، وأشعر أني أريد نفساً عميقاً - ضيق في التنفس - أو يكاد يغمى علي.

2. عند مقابلتي لشخص أو مجموعة، وإن كنت أعرفه ألاحظ ارتجافاً في عضلات وجهي، وخاصة أعلى العين - الحواجب - وأشعر باهتزاز العينين، ويسبب لي حرجاً أمامهم لأني أشعر أنه بشكل كبير (ليس كل أحد).

3. أكره حضور بعض المناسبات الاجتماعية، ولا أحب أن أكون آخر من يحضر، وعند تناول الغداء لاحظت أني أشعر أن اللقمة ستقف في حلقي، فآكل بأخذ لقمات صغيرة جداً وأقوم بسرعة.

4. عند حصول مشكلة بيني وبين رجل آخر سواء أكان صغيراً أو كبيراً أي صنف كان من الناس ضعيفاً أو قوياً أنفعل بشدة جداً، ويرتجف جسمي - خاصة الساقان والذراعان - ويجف الريق، وتزداد ضربات القلب، ولا يهدأ جسمي إلا بعد فترة.

5. كذلك في بعض المواقف أشعر أن بطني تنعصر، وحتى عند التفكير في المواقف السابقة، مثل إمامة الناس في الصلاة والمقابلة، والتخاصم، وحضور مناسبات، أشعر بفترة في مفاصل جسمي، وآخذ نفساً عميقاً... انتهى.

علاقتي بالناس جيدة، ولي احترام كبير بينهم، لكن هذه الأشياء جعلتني أتجنب المشاركة والحضور في بعض المناسبات مع أني أجاهد نفسي، وخاصة الارتجاف وجفاف الريق يزعجني لأنه يكون واضحاً، فما هو العلاج لهذا.

مع جزيل الشكر والتقدير لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبدالرحمن البيضاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكل عام وأنتم بخير، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يجعلنا من عتقائه من النار.

فلقد أحسنت وأجدت الوصف لحالتك، وأتفق معك تماماً أنك تعاني من القلق أو الرهاب أو الخوف الاجتماعي، وهو - بفضل الله تعالى – ليس من الدرجة الشديدة، وليس من الدرجة المعيقة، كما أن الأعراض الجسدية هي الغالبة وهي الأكثر ظهوراً، وليس الأعراض النفسية، فما تلاحظه من ارتجاف في العضلات – خاصة أعلى العين – وكذلك الشعور بجفاف الريق؛ كل هذه هي الأعراض الجسدية المهمة، وبالطبع ضربات القلق وتسارعه هو أيضاً من صميم أعراض (النفسوجسدية) أو الأعراض الجسدية التي تكون مصاحبة للرهاب الاجتماعي.

نوعية الرهاب الذي تعاني منه غالباً هو من النوع البسيط، ومن النوع الظرفي، وحقيقة الخوف الاجتماعي هو حالة قلقية وليس أكثر من ذلك، وهو ظاهرة نفسية مكتسبة، ولا يدل مطلقاً على ضعف في الشخصية أو قلة في الإيمان، فهو أمر يحدث لبعض الناس وذلك نسبة لاستعدادهم النفسي.

إذن هذه الأعراض في الواقع أعراض جسدية أكثر مما هي نفسية، ولكن المكوِّن الأساسي هو الحالة النفسوجسدية والتي هي ناتجة بالطبع من القلق أو الرهاب الاجتماعي.

الآن أود أن أعرض عليك بعض طرق العلاج والتي وجدت أنها مفيدة جدّاً:

أولاً: بالطبع هنالك ما يعرف بتصحيح المفاهيم، أي أن تعرف أن هذه الحالة هي مجرد قلق وليس أكثر من ذلك، وهي حالة مكتسبة – أي متعلمة – وكل شيء متعلم أو مكتسب يمكن أن يُفقد وذلك بتحقيره، وبالنظر إلى أنه أمر سخيف ولا يستحق كل هذا الاهتمام.

ثانياً: كجزء من تصحيح المفاهيم، فإن الأعراض الجسدية مثل الرعشة والارتجاف والشعور بالجفاف في الفم وضربات القلب المتسارعة، فإن هذه الأعراض هي حقيقة موجودة ولكن الإنسان يستشعرها بصورة مضخمة ومجسمة ومبالغ فيها، فأؤكد لك أن مشاعرك فسيولوجية طاغية على مشاعرك النفسية مما يجعل هذه الأعراض العضوية واضحة وظاهرة بصورة مبالغ فيها.

ثالثاً: وهو أمر ضروري جدّاً هو أن أداءك أمام الآخرين أفضل مما تتصور، وأن الآخرين لا يقومون برصدك أو بمراقبتك، فهذا أود أن أؤكده لك وهو قائم على أسس علمية بحثية صحيحة.

الجزء الآخر في العلاج هو العلاج السلوكي، وأول مراحل العلاج السلوكي هي تمارين الاسترخاء؛ لأن القلق الاجتماعي والخوف الاجتماعي يؤدي إلى توتر عام وفقد الراحة أو الاسترخاء العضلي، وبتمارين التنفس التدريجي – إن شاء الله – سوف تكون مفيدة جدّاً بالنسبة لك، خاصة أنك ذكرت أنك تمارس النفس العميق وذلك من أجل أن تتخلص من الشعور بالضيق، ويظهر أنك قد وجدت ارتياحاً في ذلك، فيمكنك أن تتحصل على أحد الكتيبات أو الأشرطة التي توضح كيفية القيام بتمارين الاسترخاء، وإذا لم يتيسر لك ذلك فأرجو أن تتبع الآتي:

• استلق في مكان هادئ وفكر في أمر طيب.
• اغمض عينيك وافتح فمك قليلاً.
• قم بأخذ نفس عميق بقوة وببطء عن طريق الأنف، وهذا هو الشهيق.
• اجعل صدرك يمتلأ بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً.
• أمسك على الهواء قليلاً في صدرك.
• قم بإخراج الهواء عن طريق الفم بكل قوة وبطء وبتأمل استرخائي، فإن هذا ضروري جدّاً.

كرر هذا التمرين أربع إلى خمس مرات في كل جلسة بمعدل مرتين في اليوم، وسوف تجد أنك أصبحت أكثر استرخاءً، ولا مانع بالطبع أن تأخذ نفساً عميقاً أيضاً في حالة المواقف التي تتطلب المواجهة.

المكوِّن العلاجي الآخر هو ما يعرف بالتعرض في الخيال، ونقصد به هو أن تتصور نفسك أنك في مواجهة اجتماعية من النوع الذي تحس فيه بالقلق، فتصور أنك تقوم بإمامة الناس في الصلاة في المسجد وأنك تؤم عددا كبيراً جدّاً من المصلين، وقد طُلب منك بعد ذلك أن تقوم بإلقاء درس على المصلين، عش هذا الأمر بخيال مكثف كأنك تعيشه واقعاً وحقيقة، ولابد أن تكون فترة التأمل ما بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة، وحاول أن تغير المواقف التأملية، فقد ذكرنا لك مثال إمامة الناس في جماعة، فاجعل المثال الثاني – على سبيل المثال – أنك لديك وليمة أو دعوة في المنزل وقد حضر الكثير من الضيوف والأصدقاء ممن تعرف وممن لا تعرف ولابد أن تقوم بالواجب حيالهم، فعش هذا الموقف وغيره من المواقف الكثيرة المشابهة.

بعد ذلك أود منك أن تقوم بتطبيق هذه المواجهات اجتماعياً، ولابد أن تقصد وتحاول أن تضع نفسك في مواقف اجتماعية غير مريحة بالنسبة لك بمعدل مرتين إلى ثلاث في اليوم، فإن هذا سوف يضعف قطعاً من القلق ومن الرهاب ومن الخوف الاجتماعي ويجعلك تكون أكثر تطبعاً للمواقف الاجتماعية؛ مما يجعلك تحس بالراحة الشديدة.

هنالك أيضاً تمارين نقول أنها تمارين سلوكية اجتماعية مفيدة، مثل ممارسة الرياضة في جماعة ككرة القدم – على سبيل المثال – والمشاركة المنتظمة في حلقات التلاوة وجد أيضاً أنها أفضل الوسائل التي تعالج وتقضي على الخوف الاجتماعي، وهذا لأسباب معروفة؛ لأن هذه الحلقات هي مقر الارتياح والطمأنينة والاسترخاء، وهي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، وهذا من أعظم ما يصبو إليه المسلم.

بعد ذلك يأتي العلاج الدوائي، فهنالك أدوية جيدة وممتازة وفعالة جدّاً لعلاج الرهاب الاجتماعي، من هذه الأدوية دواء يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) ويعرف أيضاً تجارياً باسم (باكسيل Paxil) ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) يعتبر من الأدوية الطيبة والممتازة، وهو - الحمد لله - متوفر في اليمن، فأرجو أن تحاول الحصول عليه وأن تبدأ في استعماله بجرعة عشرة مليجرام – نصف حبة – ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة كاملة ليلاً وتستمر عليها لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى حبة ونصف واستمر عليها لمدة شهر أيضاً، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبتين في اليوم - يمكنك أن تتناولهما كجرعة واحدة مساءً - واستمر عليها لمدة ستة أشهر وهي المدة العلاجية المطلوبة.

بعد ذلك ابدأ في مرحلة الوقاية، وهذه تبدأ بأن تخفّض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهرين، أي بعد انقضاء الستة أشهر وأنت على الحبتين خفض الجرعة إلى حبة ونصف في اليوم واستمر على ذلك لمدة شهرين، ثم بعد شهرين خفض الجرعة إلى حبة، ثم بعد شهرين خفضها إلى نصف حبة، واستمر على نصف الحبة الأخيرة لمدة شهرين آخرين، ثم بعد ذلك توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية السليمة ومن الأدوية الفعالة جدّاً، وإن شاء الله سوف تجد فيه خيراً كثيراً، فأرجو أن تتناوله بالصورة الصحيحة وبالجرعة التي وصفتها لك، ولابد لك بالطبع أن تدعم ذلك بتطبيق الإرشادات السلوكية السابقة.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وجزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، وكل عام وأنتم بخير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً