الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس النظافة وكيفية علاجه والتعامل مع المصاب به

السؤال

أختي تبلغ من العمر 29 سنة، لا تسمح لأحد في المنزل بلمسها، لأنها تعتقد أننا لا نتمتع بالنظافة، لا تجلس إلا على مقعدها الخاص، ملابسها حتى وإن قمنا نحن بغسلها فهي تعيد غسلها ولا تسمح لنا بلمسها، قبل النوم أو قبل الخروج من المنزل يلزمها ساعة على الأقل لغسل وجهها وأطرافها بالماء والصابون.

أرجو المساعدة في كيفية معالجة هذه الحالة مع العلم أنها رفضت الذهاب إلى الطبيب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / نسرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه الأخت -شفاها الله تعالى وعافاها وحفظها ورعاها- مصابة بالوساوس القهرية، تعرف بوساوس الخوف من الأوساخ وهي مبنية على فكرة وسواسية، وهؤلاء الناس يحاولون عيش هذه الحياة بصورة شبه معقمة، وهذا بالطبع يؤدي إلى الكثير من المضايقة والألم النفسي بالنسبة لهم وبالنسبة للآخرين.

هذا النوع من الوساوس منتشر ويمكن علاجه، وأفضل طريقة لعلاجه هي الوسائل السلوكية إلى جانب تناول الأدوية.

لا شك أنه من الأفضل أن يكون العلاج تحت إشراف طبيب نفسي أو أخصائي نفسي؛ لأن التطبيق السلوكي يصعب على كثير من الناس ولا تكن لهم الرغبة أو الدافعية أو الإصرار أو الإيمان بنفعه إلا إذا كان ذلك تحت توجيه وإرشاد ومساندة ومساعدة المعالج المختص.

عموماً بالنسبة للعلاج السلوكي فإنه يبدأ بالآتي:

أولاً: أن يُشرح لها - ولابد من ذلك – شرحاً مستفيضاً بأن هذا الذي يحدث لها هو وساوس قهرية والذي نعني بها أنها نوع من القلق والخوف من الأوساخ -وهذا الخوف لا مبرر له ولكن نعرف أن الفكرة متسلطة عليها مما يجعلها تقوم بالغسيل والنظافة وتتجنب الاحتكاكات التي تعتقد أنها سوف تؤدي إلى أن تلامس ملابسها أو جسدها الأوساخ- ...إذن الشرح وفهمهما لهذا الأمر ضروري جدّاً.

ثانياً: القيام بالتحليل السلوكي، وهو أن تُكتب كل هذه الوساوس في ورقة ونبدأ دائماً بأقلها شدة ثم يأتي بعد ذلك تباعاً أشدها وأشد من هذه الوساوس.

ثالثاً: بداية العلاج السلوكي والذي يقوم على مبدأ بأن يتعرض الإنسان لمصدر وساوسه دون أن يستجيب أو يتفاعل مع الفعل الوسواسي ودون أن يقوم بالفعل الوسواسي، فعلى سبيل المثال: من أول الأمور التي نقوم بها هي أن نضع يدها في سلة المهملات مثلاً وسوف تقوم بمقاومة ذلك، ولكن يمكننا أن نمسك يدها وفي نفس الوقت يقوم المعالج أيضاً بوضع يده في نفس سلة المهملات التي وضعت يدها فيها حتى يكون قدوة علاجية بالنسبة لها، ويجب أن تظل على هذا الوضع لمدة أربع إلى خمس دقائق - أي أن تكون يدها في سلة المهملات هذه المدة - ثم بعد ذلك تخرج يدها وتنتظر لمدة خمس دقائق وتعطى كمية محددة من الماء في كوب محدود الكمية وتعرف أن هذا الماء هو المتاح لها لغسل يدها.

يكرر هذا التمرين مرتين في اليوم؛ فإن الدراسات تشير أن معظم المرضى بهذه الوساوس أنه بعد أسبوعين يستجيبون استجابات فعالة جدّاً.

هنالك تمرين ثانٍ، وهو أن تقوم بوضع يدها تحت حذائها، وحينها سوف تقاوم ولكن نساعدها بأن نمسك يدها وأن يقوم المعالج أيضاً بوضع يده أسفل حذائه حتى تتخذه قدوة ثم بعد ذلك تعطى كمية بسيطة من الماء لغسل يدها – وهكذا – ويكرر هذا التمرين مرتين في اليوم، فإنه قد وجد أيضاً أنه فعال جدّاً.

أما بالنسبة لوساوسها الخاصة والتي تتمثل في عدم جلوس غيرها على مقعدها الخاص بها، فلابد أن نقنعها بالجلوس على مقاعد الآخرين حتى وإن أدى ذلك إلى أن يُبعد المقعد الخاص بها، وحينها سوف تقاوم وسوف تقلق ولكنها بعد ذلك سوف تستجيب.

أما بالنسبة لغسل الملابس فيمكن أن يتاح لها الفرصة بأن تغسل ملابسها بنفسها، ولكن نحدد لها كمية الصابون أو عدد الغسلات، ولكن يجب أن تكون محدودة جدّاً، وفي المرات القادمة تخلط ملابسها أو تمزج مع بقية ملابس غيرها وتغسل مع بعضها البعض، وتمنع بعد ذلك من غسل ملابسها الخاصة مرة أخرى.
هذه التمارين ناجحة جدّاً وفعالة جدّاً إذا طُبقت بصورة صحيحة وصورة علمية.

أما بالنسبة لغسيل الوجه وأطرافها بالماء والصابون فهنا أيضاً يحدد لها الزمن ويحدد لها كمية الماء ويجب ألا تغسل مطلقاً من الصنبور – الحنفية – فيجب أن تضع الماء في إناء أو كوب ويكون محدود الكمية، وأن نحدد لها الزمن ونقول لها الزمن المتاح لك هو دقيقتين أو ثلاث، ويجب أن ننبهها بعد انقضاء نصف الزمن وحينما يبقى ربع الزمن نقول لها بقي ربع الزمن – وهكذا – .

هذا أيضاً ينطبق على الوضوء؛ لأن هؤلاء الأشخاص المصابون بهذا الوسواس ربما تكون لهم مشاكل وتردد في الوضوء ويستهلكون كميات كبيرة من الماء ويكونون أيضاً في بطء شديد.

هذه هي الطرق السلوكية المتاحة ونتائجها جيدة جدّاً.

رابعاً: العلاج الدوائي والذي يجب أن يبدأ مباشرة، فهنالك عدة أدوية تساعد في علاج هذا النوع من الوساوس وهي أيضاً تزيل القلق وتحسن المزاج بدرجة كبيرة، فهنالك عقار يعرف باسم (بروزاك)، وآخر يعرف باسم (فافرين)، وثالث يعرف باسم (زيروكسات) والذي يسمى في الجزائر بـ (ديروكسات)، والذي أفضله هو (بروزاك) ويسمى علمياً (فلوكستين Flyoxetine)، فأرجو أن تبدأ هذه الأخت في تناوله بجرعة عشرين مليجرام – كبسولة واحدة – وتتناولها بعد الأكل يومياً وبانتظام لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع إلى أربعين مليجرام – كبسولتين – في اليوم وتستمر عليها لمدة شهر، ثم ترفع إلى ستين مليجرام – ثلاث كبسولات – في اليوم - وهذه هي الجرعة العلاجية بالنسبة للوساوس القهرية – وتستمر على هذه الجرعة لمدة تسعة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة بمعدل كبسولة واحدة كل ثلاثة أشهر.

هذا الدواء من الأدوية المفيدة جدّاً، فأرجو أن تساعد هذه الأخت في تطبيق الإرشادات السلوكية السابقة وتناول هذا الدواء، وإن شاء الله تعالى سوف تتحسن حالتها وسوف تتخلص من هذه الوساوس.

أسأل الله تعالى لها الشفاء والعافية والتوفيق والسداد وجزاك الله خيراً على حرصك على هذه الأخت.

وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً