الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عمل الإنسان في الدنيا.. بين الإحسان والإساءة والثواب والعقاب

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأساتذة المستشارون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أود أن أتبين من أمر مهم وهو:

عندما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه))[الزلزلة:7-8]، هل المقصود هنا: أن الإنسان لن تضيع حسناته التي عملها في الدنيا وفي نفس الوقت لن تنسى سيئاته؟

أنا شديد التقلب، يوم أكون فيه طائعاً لله وفي أحسن حال، وفي اليوم التالي مباشرة أكون إنساناً منافقاً عاصياً بغيضاً ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فلماذا هذا التلون في العبادة؟ وهل السيئات تجعل الحسنات هباءً منثوراً يوم القيامة كما ورد في بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

أنا آسف للإطالة ولكن أرجو إرشادي وتوجيهي لكي أكف عن هذا التلون في العبادة وأصبح رجلاً محترماً في الدنيا والآخرة.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يثقل موازيين حسناتك، وأن يغفر لنا ولك السيئات، وأن يعفو عنا بفضله ورحمته، وأن يجعلنا من أهل الجنة.

بخصوص ما ورد برسالتك، فكما لا يخفى عليك أن الله خلق المخلوقات لحكمة بينة واضحة، وخص الإنس والجن ببيان وظيفتهم التي خلقهم من أجلها حيث قال جل شأنه: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56] فهذه هي الوظيفة التي خلقنا من أجلها وأنزل القرآن الكريم وأرسل الرسول العظيم لبيانها وتوضيحها وتطبيقها لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ووعد في كتابه وعلى لسان نبيه من أدى هذه المهمة وهي العبادة على الوجه الأكمل أن يكافئه على ذلك في الدنيا والآخرة، ومن ذلك قوله تعالى ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى))[طه:123] وقال: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى))[الليل:5-7]، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على ذلك وتوعد من خالف وأعرض وأهمل ولم يلتزم بالعقوبة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك قوله تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى))[طه:124] إلى غير ذلك من الآيات، وكذلك الأحاديث التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، ومن رحمة الله وفضله وكرمه وإحسانه لعباده المؤمنين الموحدين ألا يحسب عليهم نعم الدنيا من حساب حسناتهم، وإنما يكرمهم في الدنيا فضلا منه وكرما ثم يحصل لهم الجزاء العظيم على هذه الحسنات في الآخرة، وهذا بعكس الكافر الذي يأكل ويشرب ويتنفس من رصيده من الحسنات، وكلما عظم رصيدك من الحسنات كلما عظمت منزلتك ومكانتك عند الله، وبالتالي عظم ثوابك وجزاؤك في الدنيا والآخرة، ألم تقرأ قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ))[الواقعة:10-11].

فسرها العلماء بقولهم - السابقون إلى الطاعات في الدنيا هم السابقون إلى الجنات في الآخرة، وتبدأ الاستفادة من ثواب الحسنات بصفة واضحة عند الوفاة، حيث يموت العبد على عمل صالح، ويسهل الله عليه النطق بالشهادة عند الموت، وتخفف عليه ضمة القبر، ويوفقه الله لإجابة الملكين منكر ونكير في القبر، ويحول الله قبره إلى روضة من رياض الجنة، ويرى مقعده من الجنة وهو في قبره، ثم يخرج من قبره ووجهه يشع نوراً على قدر مستوى حسناته، ثم يقبل على الله إقبال الوفود الكبيرة ثم ييسر عليه حسابه، وقد يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وقد يدخل الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، وقد يمر على الصراط كالبرق ويدخل أعلى منازل الجنة، فكل ذلك متوقف على كمية حسناته، فكلما كانت كثيرة كانت درجته ومنزلته أعظم والعكس بالعكس، ومن فضل الله ورحمته أنه لا يضيع عمل عامل، فحتى ولو اختلطت عندك الحسنات والسيئات، بمعنى أن لك حسنات وعليك سيئات فإن من فضل الله أنه إما أن يعفو عن سيئاتك ولا يخصمها من حسناتك، وإما أن يخصم بكل سيئة عُشر حسنة وتبقى البقية لك لتدخل الجنة، وإن تبت إلى الله من جميع الذنوب غفرها لك كلها وأدخلك الجنة بحسناتك، وأحسن إليك غاية الإحسان وأكرمك أعظم الكرم، فاجتهد في الإكثار من الحسنات حتى تكون لك رصيداً كبيراً عند الله؛ لأن كل شيء في الجنة لابد وأن تدفع ثمنه من حسناتك، فإذا كان عندك الرصيد الكافي أخذت في الجنة أعظم المنازل ونزلت أرفع الدرجات، فاجتهد في الحد من السيئات ولا تتهاون أو تقصر في ذلك لأنها وبال في الدنيا والآخرة، وإذا مر عليك يوم لم ترتكب فيه سيئة فهو أعظم يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فاجتهد بارك الله فيك، واعلم أنه لا يضيع عمل عامل وأنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، جعلني الله وإياك وسائر المسلمين منهم.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً