الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دين المرأة قبل جمالها

السؤال

إخوتي في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في الثلاثين من عمري، بدأت في البحث عن زوجة ولكني انطوائي وليست لي علاقات اجتماعية كثيرة، ولذلك طلبت من خالتي البحث عن زوجة مناسبة لي وبالفعل فقد رشحت خالتي فتاة تعرفها وتعرف أهلها جيداً، وأخبرتني أنها تعرفها منذ طفولتها جيداً وأنها مؤدبة جداً وعلى خلق ودين.

وبالفعل فقد ذهبت لرؤيتها ولكن وجدتها ضئيلة الحجم ومتوسطة الجمال رغم أني كنت أتمنى زوجة جميلة، ولكن أيضاً لابد أن تكون على خلق ودين.

رجعت إلى البيت لتسألني أمي عن انطباعي عن الفتاة فأخبرتها أنها على خلق بالفعل ولكنها ضئيلة الحجم ومتوسطة الجمال، فأخذت أمي تحاول إقناعي بها، وأن الجمال ليس كل شيء، خاصة وأن أخي متزوج ولكن رغم جمال زوجته إلا أن أمي لا تحب زوجته لسوء طباعها.

صليت صلاة الاستخارة ولكني وجدت نفسي في حيرة شديدة جداً، فطلب مني أهلي أن أذهب لأراها مرة ثانية، وبالفعل ذهبت وعندما وصلت البيت عندهم وجدت جمعاً من أهل الفتاة ووجدت أم الفتاة تخبر الجميع بأني العريس.... وهكذا وجدت نفسي أمام أمر واقع، ووجدت نفسي مطالباً بأن أخطب فتاة وأنا متردد في مدى قبولي لها.

تمت الخطبة رغم إحساسي بعدم السعادة من داخلي ووجدت نفسي أذهب لزيارتهم أسبوعيا ولكني في كل مرة أشعر بأنه واجب علي أن أفعل ذلك.

مرت ستة أشهر وفي كل مرة أذهب لزيارتهم أجد نفسي أفكر هل هذه هي الفتاة التي كنت أبحث عنها.

أعترف بعد مرور هذه الشهور الستة بأن خطيبتي هذه أكثر من رأيت في حياتي أدبا وأخلاقا ولكني دائماً أفكر في ضآلة حجمها وجمالها المتوسط، وأشك دائماً من أنها ستستطيع أن تسعدني.

أعترف أيضاً أنه خلال هذه الشهور كانت هناك أياماً كنت أعود من عندهم في غاية السعادة، وأنه بمرور هذه الأشهر نشأت بيننا علاقة مودة ولكن ليس حبا.

أعترف أيضاً أن أمي تراها مناسبة جداً وتحبها وتحب أهلها جداً وتشعر أنها كابنتها وأنها ستكون عوضا عن زوجة أخي التي لا تحبها.

هي الآن انتهت من دراستها الجامعية وأنا مطالب بأن أحدد موعدا للزواج ووجدت نفسي في حيرة كبيرة، فهل أكمل الزواج رغم شعوري بعدم الفرحة أم أتركها لأبحث عن الجمال وأشعر أن الله سوف يعاقبني لأني أترك من هي على خلق ودين.

صليت صلاة الاستخارة عشرات المرات ولكني أجد نفسي في نفس الحيرة.

أجيبوني بالله عليكم ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيمن حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنك لن تجد أفضل من صاحبة الدين والخلق سليلة الأسرة الطيبة التي تحبها والدتك وتثني عليها خالتك وتشهد لها بأنك لم تقابل مثلها في الأدب، فلا تتردد في القبول بعد أن وجد فيها ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم.

اعلم أن وجود صاحبة دين وخلق ترضاه الوالدة يعتبر من أهم مفاتيح السعادة لأنك سوف تتمكن بتوفيق الله من القيام بحق الوالدة في البر وبحق الزوجة في الإحسان والوفاء، واعلم أن الجمال والحسب والنسب لا يغني عن أهله شيئاً إذا لم يكن معه جمال في الباطن، وجمال الباطن هو جمال الأخلاق والدين، وإذا كنت قد شعرت بالسعادة معها بمرور الأيام فذلك دليل على وجود توافق بين الأرواح وهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

أما بالنسبة لضعف جسدها فلن نتفق على أنه عيب، ونحن في زمان تدفع فيه النساء الملايين جرياً وراء النحافة والرشاقة، ثم أننا نطمئنك بأن الوضع سوف يتغير بسرعة بعد الزواج حيث تحصل تغيرات كبيرة في جسد المرأة استعداد لمرحلة الأمومة، وأما كون جمالها وسط فاعلم بأن نعم الله مقسمة ولن تجد امرأة بلا عيوب لأنك كإنسان أيضاً لا تخلو من العيوب، وقد أحسن من قال:

وكل عيب فإن الدين يجبره *** وما لكسر قناة الدين جبران

ومثلك لا يحتاج لكثير شرح، لأنك تعش تجربة ماثلة مع نموذج فيه جمال في الظاهر وخبث في الباطن، وقد صدق من قال:

جمال الوجه مع قبح النفوس **** كقنديل على قبر المجوس

هل تفيد تلك الشموع والزينات عندما توضع على قبر من كان يعبد النيران ويكفر بالرحمن.

اعلم أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ( أرسل من تخطب له فجاءت وقالت له: وجدت لك فتاتين إحداهما بارعة الجمال متوسطة في دينها، والثانية قوية في دينها متوسطة في جمالها فقال لها رحمه الله: أريد صاحبة الدين )، وقد أحسن فتلك وصية رسولنا الأمين، وعاش معها الإمام ثلاثين سنة، وقال يوم وفاتها والله ما اختلفنا في كلمة.

أرجو أن تعلم أن جمال المظهر بعد أيام يصبح عادياً جداً وبعد سنوات يزيل ويتلاشى ولكن جمال الروح والدين يبقى، وقد يمتد إلى الدار الآخرة لما تعاونوا على البر والتقوى قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور:21].

ونسأل الله أن يجمع بينكما على الخير .

لا داعي للحيرة، ونحن ننصحك بأن تغض بصرك ولا تنظر إلا لزوجتك الحلال، واعلم أن خير البر عاجله، وأن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج ولا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، فعجل بإكمال المراسيم وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأسس حياتك على طاعة الرب الرحيم، واعلم أن السعادة لا تنال إلا بالتعاون على طاعة الخبير العليم.

أرجو أن تدرك أن الإنسان لا يرضى منك هذا الموقف ولو حصل مع أخته فكيف يرضاه لبنات الفضلاء من غير حصول ما يدعو للتنصل والجفاء.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً