الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس بخصوص ضياع البطاقة الشخصية وأخرى تتعلق بالدراسة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الإسلامي الرائع وعلى هذه الاستشارات التي نتمنى أن يثيبكم الله عليها، أما بعد:

فأنا أرسل إليكم هذه الرسالة وأرجو منكم نصيحتي وإرشادي:

أنا أعاني من الوسواس القهري، وبدأت العلاج منذ سنة تقريباً ـ والحمد لله ـ بفضل الله تحسنت ولكن ليس إلى الدرجة المطلوبة، فأنا طالب ثانوية عامة ولقد رسبت في السنة الأولى من الثانوية تلك السنة؛ لأن هذا الوسواس سيطر على أفكاري وأنا الآن أعيد الثانوية مع العلم أني كنت من المتفوقين في السنوات الماضية، ولكن هذا الوسواس قلب حياتي كلها، وكان أهلي يتوقعون مني الخير الكثير ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأنا الآن سأشرح لكم مشكلتي وأرجو منكم تقديم النصيحة:

فأنا الآن أعاني من الوسواس الذي يهدد مستقبلي الدراسي، فأعاني من الخوف الشديد على أغراضي، وخصوصاً الأغراض المهمة مثل البطاقة الشخصية، فبطاقتي الشخصية لا أحملها حتى إن سافرت خوفاً عليها من الضياع، فأنا عندما أفكر بأن أحملها تتبادر إلى ذهني بعض الوساوس، منها أنها يمكن أن تضيع من دون أن أشعر، وإذا ضاعت يمكن أن لا أخرج واحدة بدلاً منها، ومع العلم أن البطاقة الشخصية هامة فلا يمكن الاستغناء عنها، وإذا كنت محتاجاً لها وأردت أن آخذها معي أظل طوال الطريق أضع يدي على جيبي وأتفقدها دوماً، فهذا من الوساوس التي لم أستطع تجاوزها حتى الآن.

أما الوسواس الثاني ـ وهو الذي يتعلق بالدراسة والمدرسة، هو أنني عندما أجلس في الصف وأكتب من على السبورة تأتيني بعض الوساوس بأنني عندما أنتهي من كتابة فقرة ما أو قانون ما ( دراستي فرع علمي ) تأتيني أفكاراً بأن أعاود النظر إلى هذا القانون أو الفكرة، ظناً مني أني نسيت شيئاً أو أنني غلطت، وربما أحفظ هذا القانون بشكل خاطئ ويأتي بالامتحان، فهذا الوسواس من الوساوس أيضاً التي لم أستطع حتى الآن مقاومتها بالرغم من اتباع طرق كثيرة، ولكن لم أنجح.

فأرجو منكم الإفادة، وأنا أعاني أيضاً من شرود ذهني، فلا أستطيع التركيز في الدراسة ولا حتى في المدرسة فعندما يشرح الأستاذ الدرس تراودني أفكار وأشرد كثيراً عن الدرس، وهذه أيضاً مشكلة أريد حلها، كما أني أعاني من قلة الدراسة لأنني لا أشعر بالرغبة بالدراسة ولا أستطيع التركيز، فما الحل؟

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فأنا الآن أستعمل ( البروزاك ) بمقدار ثلاث حبات يومياً، وهو ما داومت عليه من نحو ستة أشهر تقريباً حسب توجيهات الطبيب، وأحياناً يحصل لي صداع في رأسي وخصوصاً في الليل، فما الحل برأيكم وجزاكم لله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

بالطبع الذي تعاني منه هو نوع من الوساوس القهرية، وهي وساوس التدقق، ووساوس التدقق بالطبع هي مزعجة ولكنها ليست خطيرة، ويمكن علاجها كبقية الوساوس الأخرى، وهذا النوع من الوساوس يكثر في فترة اليفاعة والبلوغ والشباب، والوساوس من هذا النوع قد تزداد، وقد تقل حسب درجة القلق التي يعاني منها الإنسان.

بالطبع حين تكون في فترة التحضير للامتحانات والدراسة هذا ربما يكون حافزاً لهذه الوساوس لتظهر بصورة أقوى وأشد.

أرجو أن لا تنزعج، وأرجو أن تكون لديك القناعات التامة بأن هذه الحالة يمكن أن تعالج.

أنت قد ذكرت أنك قد حاولت بعدة طرق، ولكن في نهاية الأمر لابد أن تحاول وتحاول مرة أخرى؛ لأن الأبحاث تدل أن العلاج السلوكي والذي هو بيد الإنسان، المعالج يقوم بالتوجيه، ولكن بالطبع قد لا يطبق هذه التمارين مع الإنسان، عليك أن تقتنع أن العلاج السلوكي وسيلة فعالة بجانب العلاج الدوائي.

الذي أرجوه هو أن تجلس وتكون مسترخياً، وتحلل هذه الوساوس بدقة، بعد ذلك أرجو أن تراجع نفسك كثيراً، وتركز على سخافة هذه الوساوس، حين تؤمن بسخفها وأنها متسلطة عليك ويمكنك التخلص منها، هذا إن شاء الله سوف يجعلك تحقرها، وحين تحقرها سوف تفتقد قيمتها الذاتية النفسية الداخلية لديك.

إذن، اجلس بهدوء وتمعن في الوساوس، وسوف تصل لقناعة أنها ليست ذات قيمة، الكثير من الإخوة والأخوات الذين يعانون من الوساوس بكل أسف لا يعطون لأنفسهم الفرصة الكافية والزمن الكافي للتأمل في سخافة الوساوس، هذه نقطة أساسية، بعد ذلك تقول لنفسك: ما دام أنها سخيفة وليست ذات معنى وتعطلني لماذا لا أقاومها؟

وتذكر أن الطبيب قد قال لك أنه يمكن مقاومتها، هذا أيضاً يدعم التفكير العلاجي الجاد بالنسبة لك.

بعد ذلك تأمل أنك لا تحمل البطاقة الشخصية معك وتأمل أنك قد افتقدتها بالفعل ضاعت منك في مكان ما، ماذا يعني هذا؟ هذا ليس نهاية الأمر والخطوة التي تلي:

هي أن تذهب وتبلغ الجهات المختصة عن فقدان البطاقة وتستخرج بطاقة أخرى، إذن الأمر بسيط جداً، عش هذه الفكرة بتأمل عميق كرر مع نفسك أنا سوف آخذ البطاقة أو حتى إن فقدتها أو تصور أنك فقدتها، ثم بعد ذلك تقوم بالإجراءات المطلوبة حتى تخفف على نفسك الأمر.

أرجو أن تأخذ صورة البطاقة معك ثم قصداً، حاول أن تترك هذه البطاقة في مكان ما، هذا سوف يسبب لك نوع من القلق كرر ذلك مرة أخرى، ويا حبذا لو معك صورة أخرى لنفس البطاقة، حاول أن تفقدها في مكانٍ ما، هذا سوف يسبب لك القلق، ولكن صدقني سوف يكون قلقاً أقل من المرة الأولى.

إذن الفكرة هي أن تعرض لنفسك لمصدر الوساوس وتقاوم، بعد ذلك صدقني يمكنك أن تحمل البطاقة معك، سوف تحس بالوساوس، سوف تحس بالقلق، ولكن هذا القلق سوف ينخفض بالتدريج، احمل البطاقة معك، قل لمسافة قصيرة، إذا كنت ذاهباً للدكان المجاور لسكنك، قل في هذه الحالة: سوف أحمل معي البطاقة، ثم بعد ذلك سوف ترجع، ثم بعد ذلك احملها معك لمسافة أطول وهكذا.

من الضروري جداً هذا التدرج، التعرض مع التدرج، مع إعادة خريطة التفكير، هذا هو العلاج الأساسي.

وبالنسبة للنوع الثاني من الوساوس والمتعلق بالدراسة هذا يُعامل بنفس المبدأ، مبدأ التحقير، مبدأ أن هذه الوساوس لا قيمة لها، وقل لنفسك أنني سوف لن أنظر للقانون أو الجملة التي كتبت، أو سوف أنظر لها مرتين فقط، وبعد ذلك قد تأتيك الدافعية للنظر للمرة الثالثة، هنا قم بإدخال استشعار مخالف بأن توقع ألماً على نفسك، على سبيل المثال، اضغط على إصبع رجلك بشدة حتى تحس بالألم وأنت تفكر في أنك سوف تنظر للسبورة للمرة الثالثة.

المهم أن تقوم بإدخال إحساسٍ مخالف كإيقاع الألم كما ذكرت لك، كرر ذلك عدة مرات، ثم حتم على نفسك أنك لن تنظر للمرة الثالثة، بالتكرار سوف تجد أن الأمر قد أصبح أسهل، وحين تكون في المنزل تأمل عش هذه الصورة في خيالك، ولكن يجب أن يكون خيال قريب من الواقع، وهذا يأتي بأن تأخذ الأمر بجدية، أجلس أيضاً وأنت مسترخياً، تأمل أنك في الفصل الدراسي، تأمل أنك نظرت لمعلومة معينة في الكراسة أو على السبورة، قل سأنظر لها مرتين فقط، ولن أنظر لها للمرة الثالثة، وحين يأتيك الشعور للنظر لها للمرة الثالثة قم بالضرب على يدك بقوة حتى تحس بالألم، اقرن هذا الإحساس الغير مرغوب فيه والمؤلم بالوسواس، هذا يضعف الوسواس، هذه التمارين تحتاج حقيقة لصبر وقناعة بفعاليتها، ولكنها في نهاية المطاف هي ناجحة جداً إن شاء الله.

الأمر الثالث أنت محتاج تماماً لتنظيم وقتك، ضع جدولاً زمنياً، ابدأه بصلاة الفجر، بعد ذلك وزع زمنك، اكتبه كتابةً، وقل لنفسك لن أحيد عن هذا البرنامج مهما كانت الظروف، خصص وقتاً بالطبع للذهاب إلى المدرسة، وقتاً للراحة، وقتاً للترويح عن النفس، وقتاً للمذاكرة ...وهكذا، التزم بهذه البرامج اليومية، وستجد أن ذلك أيضاً يكون لديك قناعاتٍ جديدة بتخطي الوساوس.

رابعاً: العلاج الدوائي، فهو ممتاز وفعال، ونتائجه إيجابية جداً حين نقرنه بالعلاج السلوكي الجاد، أنت لم تستفد عن البروزاك، وهذا أمر مستغرب نسبياً، ولكنه قد يحدث لأن الجرعة التي تتناولها وهي 60 مليجرام تعتبر جرعة فعالة في معظم الناس، ولكن سبحان الله، ربما يكون لم يحدث التوافق الإرثي ما بين الدواء ومكوناتك الجينية، هذا يجعلنا ننتقل إلى دواء آخر، وفي هذه الحالة الدواء الذي أرشحه هو فافرين، الفافرين تشير الدراسات الكثيرة جداً أنه أكثر الأدوية فعالية في علاج الوساوس لدى بعض الناس.

خفض جرعة البروزاك بمعدل كبسولة، استمر على كبسولتين، وأدخل الفافرين بجرعة 50 مليجرام، وبعد أسبوع أي بعد أن تتناول 50 مليجرام يومياً لمدة أسبوع، ارفع الجرعة إلى 100 مليجرام، وهنا تقوم بتخفيض البروزاك، وتجعله كبسولة واحدة في الصباح، استمر لمدة أسبوعين، بعدها ارفع الفافرين إلى 200 مليجرام.

إذن تكون الجرعة العلاجية الصحيحة لك هي كبسولة واحدة من البروزاك 20 مليجرام، وحبتين من الفافرين 200 مليجرام في اليوم، استمر على هذه الجرعة بالتزام مطلق لمدة ستة أشهر، وصدقني إن شاء الله من الشهر الثاني والثالث إذا طبقت العلاجات السلوكية بصورة دقيقة، والتزمت بالدواء بصورة قاطعة سوف إن شاء الله تتحصل على نتائج باهرة جداً بإذن الله تعالى.

بعد انقضاء الستة أشهر لا مانع أن تخفض الفافرين بمعدل خمسين مليجرام كل شهر، وحين تصل إلى جرعة 100 مليجرام استمر عليها مع البروزاك لمدة شهرين، ثم بعد ذلك يمكن أن تتوقف عن البروزاك، وتستمر على الفافرين حبة واحدة لمدة عامٍ كامل.

هذه إن شاء الله تكون جرعة وقائية ممتازة، وبعد نهاية العلاج يمكن أن تخفض الجرعة إلى 50 مليجرام لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله.

أرجو أن تلتزم بهذا البرنامج، وأن تكون لك القناعات والاستبصار الكامل بأن هذه الوساوس سوف تزول بإذن الله تعالى، وبالطبع نوصيك وأنفسنا بأن تدعو الله، احرص على الدعاء، فهو إن شاء الله يرفع ويزيل كل الكرب والمصائب والابتلاءات.

وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً