الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأتأة وصعوبة في الكلام والتفكير في الانتحار بسبب ذلك

السؤال

السلام عليكم..


أعاني من مشكلة كبيرة في النطق منذ أن كنت طفلاً صغيراً، تتمثل في صعوبة إخراج الكلمات، وهذا ما حد من مشاركتي في الحديث مع الناس، وأفضل السكوت خوفاً من الحرج.

أنا الوحيد في أسرتي وفي العائلة الذي أعاني من هذا المشكل الذي أصبح يعذبني في حياتي التي أصبحت بدون طعم، حتى أنني أفكر في بعض الأحيان بالانتحار والانتهاء من هذه المصيبة التي سلطها الله علي، ولم يجد أحداً غيري.

عندما أجلس وحدي أبدأ في التفكير في مستقبلي المجهول، وفي الماضي، وما عانيت منه من جراء هذه المشكلة حيث كنت أتعرض باستمرار في جميع أطوار الدراسة من مضايقات من طرف زملائي، وما كنت أستطيع أن أرد عليهم؛ لأن الكلمات كانت ترفض أن تخرج من شفتي، وعندما أتحدث أحس بضيق في صدري، وصعوبة في التنفس في كثير من المرات.

وعندما أريد أن أقول شيئاً فإنني لا أستطيع أن أنطق بالكلمات إلا بعد مرور حوالي دقيقة من الزمن.

لقد دعوت الله أن يشفيني من هذه الطامة الكبرى مند 15 سنة، ولم يستجب لي، رغم أنني ألاحظ أن درجة التأتأة قد قلت بنسبة 25%، بالمقارنة عندما كان عمري 19 مثلاً، أحس بحزن شديد عندما أرى إخوتي وأصدقائي يتحدثون بطلاقة، وأتمنى لو أنني كنت مثلهم، بل وأبكي بشدة وبحرقة كبيرة، بسبب ما أعاني من مشكلة في النطق؛ ولأنها تحول بيني وبين تحقيق طموحاتي.

أقول دائماً في نفسي: كيف أتزوج؟ وهل هناك فتاة تقبل الزواج من معاق؟ وأنني إذا تزوجت فإن أولادي سيكونون مثلي، وغير ذلك من الأسئلة التي لا أجد لها جواباً.

أسأل نفسي دائماً:
1-لماذا خلقني الله أعاني من هذه المشكلة؟ ولماذا لا أتكلم بشكل طبيعي؟

2- كيف أكون عنصرا فعالاً في المجتمع وأنا متلعثم؟

3- لماذا لم يبعث الله رسولاً معاقاً أو أبكماً، بل فصيحاً طليقاً؟

4- ما هي حكمة الله من أن يخلقني أعاني التأتأة؟

وغير ذلك من الأسئلة التي أحاول بها الوصول إلى الحقيقة.

وأزيدكم علماً واعذروني أنني كنت لا أؤمن بالله، وأشك في عدله جراء ما عانيت منه من مشاكل حياتية سببها التأتأة.

أرجو منكم أن تدلوني على علاج تام لهذه المشكلة؟

وهل يمكنني فعلاً أن أشفى تماماً من هذه العلة؟

وهل تنصحونني بالذهاب إلى الطبيب النفسي، علماً أن أخصائي التخاطب لا يوجد في مدينتي؟

هل هناك حل دون اللجوء للأدوية؟

أجيبوني يرحمكم الله، ولا تنسوا أخاكم من الدعاء لعل الله أن يفرج عني هذا البلاء العظيم.

اللهم احلل عقدة لساني واشفني يا أرحم الراحمين.

وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حقيقة يتأمل الإنسان في رسالتك كثيراً، فأنت تعاني من ابتلاء بسيط، ولكن لم تنظر له من هذا السياق، بل نظرت إليه بصورة مضخمة ومجسمة، مما جعلك تتساءل أسئلة حول العقيدة وحول التوحيد.

وحقيقة أنا أشكرك كثيراً على إفصاحك عما يدور في خاطرك من أسئلة واستفسارات، ولكن أعتقد أنك في حاجة ماسة لأن تراجع نفسك فيما يخص العقيدة والتوحيد، وتفهم معنى الابتلاء؛ لأن هذه أمور هامة، وأعتقد أنه غني عن القول أن نقول: إن الله تعالى خلق الإنسان من أجل عمارة الأرض، وأن لله في خلقه شئون، والناس تختلف في ابتلاءاتها، وأنت إذا قست نفسك سوف تجد أنك -إن شاء الله- أفضل من الكثيرين، وأن علتك بسيطة.

وللدخول معك في نوع من النقاش حول أسئلتك، فأنت ذكرت في السؤال الأول: لماذا خلقني الله أعاني من هذه المشكلة؟ ولماذا لا أتكلم بشكل طبيعي؟

لا شك أن الإجابة: أن الحق عز وجل مختار في الطريقة التي يخلق بها عباده، ومشكلتك هي مشكلة في نظري بسيطة جدّاً، وهي حقيقة اختبار لمدى صبرك وقوتك على تحمل هذا البلاء أو الابتلاء البسيط، ويا أخي لا تنسَ أن هنالك من هم لا يتكلمون ومن هم قد خلقوا عميان، وهنالك الأبكم، وهنالك الأكمه، كل هذه الأشياء موجودة، وكم رأينا من أصحاب الابتلاءات وهم في قمة التوحيد بفضل الله تعالى.

أنت في الحقيقة محتاج لأن تجلس مع أحد المشايخ المعتبرين، وإن شاء الله يمكن أن يدور حوار بينك وبينه، ولا شك أن هذا الحوار سينتهي إن شاء الله باقتناعك بأن ما بك هو أمر بسيط، ولا داعي مطلقاً أن تزعزع أو تشكك في عقيدتك وفي توحيدك.

ولا تنس يا أخي أنه يقال أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكن طلقاً في لسانه، أو ربما كان متلعثماً (( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ))[طه:25-28] فأعتقد أنت محتاج لأن تراجع نفسك وأن تتأمل في هذا الأمر بصورة أكثر إيجابية.

إجابة سؤال الثاني:

يمكنك أن تكون عنصراً فعّالاً، فالتأتأة أو التلعثم لا تمنع الإنسان مطلقاً أن يكون مقتدراً وأن يكون فعّالاً، علماً بأن التأتأة يمكن علاجها لدرجة كبيرة، وأنا أعرف الكثير من المتلعثمين والذين يعانون من هذه المشكلة وهم أطباء ومهندسون وأساتذة في الجامعات، فهي لن تمنعك أبداً أخي.

سؤالك الثالث لا أستطيع حقيقة أن أجاوب عليه، فعليك بإرساله إلى القسم الشرعي وسيجيبون عليه إن شاء الله، حيث إنه من اختصاصهم على الرابط التالي:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/

سؤالك الرابع: ما هي حكمة الله تعالى في أن يخلقني أعاني التأتأة؟

الله أعلم بكيفية خلقه للناس، ولكن أرى أنها ابتلاء لاختبار صبرك، وإن شاء الله تكون ذخراً لك، وإن شاء الله هي دليل على رفع ابتلاءات أخرى قد تكون أشد، فأرجو أن تعرف تماماً أن هذه التأتأة لن تنقصك أبداً، أنت محتاج أن تستعيد الثقة في نفسك، وأرجو أن تتبع الإرشادات الآتية فهي إن شاء الله سوف تساعدك كثيراً:

أولاً: اعرف أن التأتأة أكثر وسط الذكور من الإناث.

ثانياً: التأتأة لا تدل على وجود مرض عضوي مطلقاً.

ثالثاً: التأتأة تكون مرتبطة في كثير من الأحيان بالقلق والتوتر، ولذا حاول أن تتجنب المواقف التي يكون فيها قلق أو توتر.

رابعاً: عليك أن تلجأ لما يعرف بتمارين الاسترخاء، ويمكنك الاستفادة من الأشرطة أو الكتيبات التي تتحدث عن كيفية إجراء هذا التمارين، ويمكنك أن تقوم بهذه التمارين لوحدك، وفي أبسط صورها هي أن تكون في مكان هادئ وتستلقي وتفتح فمك قليلاً وتغمض عينيك وتتأمل في شيء جميل، أو يمكنك الاستماع إلى القرآن الكريم بصوت خافض، ثم بعد ذلك خذ نفساً عميقاً وببطء شديد، املأ صدرك بالهواء ثم أمسك على صدرك وهو مليء بالهواء لمدة خمس ثوان، ثم بعد ذلك أخرج الهواء -وهذا هو الزفير-، ويجب أن يكون بنفس القوة والبطء الذي قمت به في أثناء الشهيق.

كرر هذا التمرين أربع إلى خمس مرات في كل جلسة بمعدل مرتين في اليوم، وبعد ذلك يمكنك أن تقوم باسترخاء مجموعة عضلات القدمين، وأن تتأمل أنك مسترخي، ثم عضلات الساقين، ثم عضلات الحوض، ثم البطن، ثم عضلات الصدر... وهكذا، صدقني أنك إذا قمت بهذه التمارين بصورة فعالة سوف تجد أنها قد ساعدتك كثيراً في إزالة القلق والتأتأة.

من الطرق الأخرى التي يجب أن تلتزم بها، هي أن تحاول أن تحدد الحروف التي تجد صعوبة في نطقها، وبعد ذلك حدد الكلمات التي تبدأ بها هذه الحروف، كرر هذه الكلمات عدة مرات (40 أو 50 أو 60 مرة) بصوت عالٍ، ويمكنك أن تستفيد من آلة التسجيل وتسجل هذا النطق ثم تستمع إلى نفسك، بعد ذلك استرسل وقم بإلقاء جمل في شكل مقاطع، وركز على الحروف التي تجد فيها صعوبة واستمع إلى نفسك أيضاً، سوف تجد أن أداءك أفضل مما كنت تتصور.

الشيء الذي أنصح به أيضاً، هو أن تتكلم ببطء وألا تستعجل الكلام، كما أنه من الضروري جدّاً ألا تراقب نفسك، أي لا تكون توقعياً في أن التأتأة سوف تحدث لك، هذا يقلل الفعالية ويؤدي إلى مزيد من القلق حين يراقب الإنسان نفسه.

من الأشياء التي وجد أنها تزيل التأتأة هي الالتزام بقراءة القرآن في حلقة، هذه وجدت أيضاً أنها مفيدة جدّاً.

ومن الأشياء التي لوحظ أنها تقلل من التأتأة، هي ممارسة الرياضة الجماعية مثل كرة القدم – على سبيل المثال – فمن خلالها يتفاعل الإنسان عن طريق الكلام بصورة لا شعورية، وهذا إن شاء الله يحد ويقلل من هذه التأتأة.

أنت ذكرت أنك لا تريد الأدوية، ولكن يا أخي قد وجد أيضاً أن الأدوية التي تقلل من القلق تساعد في علاج التأتأة، وهنالك دواء يعرف باسم هلوبريادول Haloperidol، لقد وجد أن هذا الدواء بجرعات صغيرة يفيد كثيراً في التأتأة، والذي أنصح به هو أن تتناوله بمعدل نصف مليجرام صباحاً ومساء لمدة ستة أشهر.

أخي الفاضل! أنا أتصور أنك أحسن مما تتصور أنت، وأعتقد أن مشكلتك ليست بالحجم أو التضخيم أو التجسيم الذي تراه، الأمر لا يتطلب أن تعتقد أنك معذب في هذه الحياة، أو أنه لا داعي من وجودك، أو تسأل هذه التساؤلات حول العقيدة والتوحيد، أخي هذا الأمر بسيط جدّاً، ويجب ألا يخلق لك عقدة في حياتك.

أرجو أن تتبع الإرشادات السابقة وأن تصبر عليها، وصدقني سوف تكون النتائج إيجابية جدّاً إذا التزمت.

أسأل الله لك التوفيق، وأسأل الله لك الثبات على الإيمان، وأن تزول هذه المشكلة، وأن تتعلم أيضاً أن تتعايش مع ما يتبقى منها إن بقي منها أي شيء، وأن تتواءم، وصدقني أن الناس لا تراقبك ولا ترصد كلامك بالصورة التي تتصورها أنت، عش يا أخي حياتك بكل استرخاء وبكل إيجابية وتفاؤل وإيمان.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً